تعالى بغضبه على الذين لم يهاجروا مع القدرة على ذلك ، فقال تعالى : (الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ...) إلى آخر الآية [النساء : ٩٧] ، فأخبر تعالى بحالهم وأن الوعيد لاحق بهم ، ولم نعلم [أن] (١) أحدا من المسلمين وسّع له الله تعالى ورسوله في سكنى دار الحرب مع التمكّن من الهجرة إلا العباس رضي الله عنه فإن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أذن له في الإقامة بمكة لمكان السقاية ، فلما طالت عليه المدة ، واستبطأ الفتح نهض بأولاده مهاجرا إلى الله ورسوله ، فلقي رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم بالجحفة فأنفذ أهله وولده إلى المدينة ورجع مع الجيش ، والقصة فيه مشهورة ، وقد كانوا يقطعون القيود ، ويفكون (٢) الأغلال ، ويركبون الأهوال ، ويفارقون الأولاد والأموال لعلمهم بوجوب الهجرة ، ولزوم فرض النصرة ، ولهذا تهدد وأخبر بكفر من استأذن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في التخلف لغير عذر يعلم الله صدقه ، فقال الله سبحانه : (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) [التوبة : ٤٥] ، ووسمهم بالنفاق ، ورماهم بالشقاق ، وهم يظهرون كلمة الإسلام مشاركون للمسلمين في ظاهر الأحكام ، وهل علم من الله ورسوله ترخيص في الهجرة ، لو علم ذلك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فهو لا يجيز تخلف المتخلفين ، إما أن يكون بإذن من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بغير إذن ، فإن كان بإذن فلا كلام في جوازه ، وعندنا أن ذلك يجوز للأغراض ، وإن كان بغير إذن فالفاعل لذلك عاص بالاتفاق.
__________________
(١) سقط من (ب).
(٢) في (ب) : ويفككون.