المؤمنين ، وفرضها باق إلى الآن ، وإن لم نثبت الأحكام التي علمنا ونمضيها على وجهها يكن إهمالنا لها فتنة في الأرض وفسادا كبيرا ، (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا) هؤلاء المهاجرون الآخرون بعد المهاجرين الأولين فلا تكرار في الأولى ، (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) أعاد ذكر الأنصار تأكيدا ، (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) [الأنفال : ٧٤] فأفاد بقوله : (حَقًّا) الإيمان الشرعي ، والمؤمنون غير حقّ : هو الإيمان اللغوي ، والحقّ نقيضه الباطل ، والباطل غير دين.
وأما قصة الفتح في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) ... إلى قوله : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [الفتح : ٢٤ ، ٢٥] ، قال : فسماهم تعالى مؤمنين مع إقامتهم في دار الحرب.
الكلام في ذلك : أنّ الآية ظاهرة الحكمة ، واضحة العلم ، لا يغبى دليلها ، ولا يلتبس سبيلها ، وبيان هذه الجملة أن الإسلام لشرفه رفع من دخله ، فالحمد لله تعالى ، فلم يبق [فيه] (١) مشروف ولا شريف ، ولا صميم ولا حليف إلا وذكر اسمه ، وكذلك أسماء العبيد والنساء والإماء ، وقولهم هذا يعلمه العلماء ، ولا يتناكرون فيه ، وأصدق من قولنا قول رب العالمين ، فإنه أخبرنا تعالى بأنّا لا نعلمهم ولا نجهل ـ والحال ما قدمنا ـ إلا الضعيف المغمور ، والقبح لنا معلوم ، وحديثه مشهور ، ولا نعلم أنه بقي في مكة من يقدر على الحراك ، وقد أخبرنا تعالى بأنهم لا يحسنون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، وأخبر
__________________
(١) زيادة في (ب).