الجواب : أن هذه الآية التي ذكر هي شافعة لما تقدّم مما قلناه آنفا ، وذلك أن الله تعالى أخبرنا بحقيقة الإيمان في تلك الحال ، وهو أن المهاجرين والأنصار رحمة الله عليهم بعضهم أولياء بعض ، والولاية تدخل تحتها الإرث والتولي فيلزم الموالاة بعضهم لبعض ، والولاء والبراء من أصول الدين العظيمة ، وهو ما شرحه الأئمة وذكروه بما هو موجود في كتبهم عليهمالسلام.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنفال : ٧٢].
قال أيده الله تعالى : فسماهم مؤمنين مع أنهم لم يهاجروا بل أقاموا في دار الحرب ، وهذا شافع للأول ؛ لأن الله تعالى حكى حكم من آمن إيمانا لغويا ، معناه : أقرّ وصدّق فهذا في اللغة فإنه لا حقيقة لإيمانه في الشرع ، فذكر الإيمان الشرعي وهو المتقدم ، والإيمان اللغوي وهو المتأخر ، كما ذكر في الإيمان والإسلام ، ومعناهما عندنا في الشرع واحد ؛ لأنّا نعلم أن المؤمنين حقيقة بعضهم أولياء بعض وقد نطق بذلك القرآن ، ولا يجوز شرعا أن يقول المؤمن للمؤمن : لست وليي إلا على ضرب من التأويل ، وإنما ولا يجوز أن يخرجه عن باب الموالاة.
فأما ترك الإرث لترك الهجرة فذلك كان في بدء الإسلام ونسخ ، فإن صحّ أن في دار الحرب مؤمن سقط عنه فرض الهجرة للعجز أو بعض الأعذار المخلصة عند الله سبحانه ، فإنه كان لا يرث في بدء الإسلام من قريبه المهاجر شيئا فيكون على هذا أن المراد بالولاية الإرث ويستقيم القول على لفظ الآية ، فيكون الإيمان شرعيا في الطائفتين على سواء ، وكيف يصحّ ارتفاع الولاية بين المؤمنين ، والله تعالى يقول : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ