وما ذكره الاستاذ فمبنى على أنّ البعد هو المباينة ، والقرب هو المجاورة ، وأن كلّ جوهر فرد ، ففيه ست مباينات لستة جواهر (١١) / / فإذا جاور جوهرا ؛ فقد زالت عنه مباينة واحدة ، وبقى خمس مباينات على ما عرف من أصله.
والحق ما ذكره الأصحاب من القول بالاتحاد ؛ فإنه مبنى على أنّ الكون القائم بالجوهر لا يختلف.
وإنما المختلف التسميات على ما حققناه من مذهب القاضى.
فمعنى قولهم : القرب غير البعد : أى الكون الموصوف بالقرب ، غير الكون الموصوف بالبعد.
ولا يلزم من إبطال إحدى التسميتين إبطال المسمى ، والتسمية الأخرى.
ومنها : أن الجوهر الفرد إذا ماس جوهرا آخر (١). فهل يقال إنه ماسّه من جهة وباينه من باقى الجهات؟.
قال بعض المتكلمين به ، ومنعه الأستاذ أبو إسحاق وغيره من أئمتنا ؛ وهو الحقّ ؛ فإن المباينة بين الشيئين من جهة تستدعى إمكان المجاورة بينهما من تلك الجهة ، ومجاورة الجوهر لجوهر من جهتين محال. فلا يقال إنه إذا جاوره من إحدى الجهتين ، أنه مباين له من الجهة الأخرى.
ومنها : أنه يجوز تقدير الافتراق ؛ والمباينة فى جملة جواهر العالم حتى لا يوجد منها ما هو مجتمع مع غيره بتقدير تبدّدها ، وزوال تركيبها. ولا يجوز تقديرها مجتمعة حتى لا يكون منها ما هو مفارق ؛ فإنها بتقدير تركبها واجتماعها ، فالصفحة العليا منها لم تحط به الجواهر من كل الجهات ؛ فكل جوهر منها مفارق من بعض جهاته (٢).
ومنها : أن الجوهر الفرد لا يتصور أن يكون مباينا لجملة جواهر العالم ؛ لأن المباينة تستدعى إمكان المجاورة (٣).
__________________
(١١)/ / أول ل ٣٠ / أمن النسخة ب.
(١) قارن بما ورد فى الشامل للجوينى ص ٤٦٠.
(٢) قارن بما ورد فى الشامل للجوينى ص ٤٦٠ ، ٤٦١.
(٣) قارن بما ورد فى الشامل ص ٤٦١.