ويقول عنه شيخ
الإسلام ابن تيمية «لم يكن أحد في وقته أكثر تبحرا في العلوم الكلامية ، والفلسفية
منه ، وكان من أحسنهم إسلاما ، وأمثلهم اعتقادا»
ولكنهم مع ذلك
حاولوا النيل منه من جانب آخر ؛ ووجهوا إليه الكثير من التهم.
مما سبق يتضح لنا
المكانة العلمية المرموقة التى بلغها الإمام الآمدي. والتى اعترف بها معاصروه من
أصدقائه ، وخصومه على حد سواء.
وأقول : لقد كان
الإمام الآمدي ـ رحمهالله ـ فقيها ، محدثا ، وقد بلغ مكانة مرموقة في كلا الفنين ؛
فقد كان مدرسا للفقه في أكبر مدرسة في العالم الإسلامى ، كما كان محدثا ؛ ولكنه لم
يترك مؤلفات فيهما كما سبق. ثم اشتغل بالخلاف والجدل ، وصنف فيهما سبعة كتب ، ثم
بأصول الفقه الّذي صنف فيه أربعة كتب ، ثم ألف في المنطق ، والفلسفة ثمانية كتب ،
ثم كانت مؤلفاته الكلامية التى بلغت الغاية.
فهو اذن قد بدأ
بالتقليد ، والحفظ شيمة الفقهاء والمحدثين في هذا العصر ، ثم عند ما ارتقى تفكيره
بحث في المسائل الخلافية ، واجتهد في بعض الأمور الجزئية. ثم عند ما تثبتت أقدامه
، وأصبح أهلا لمرتبة أعلا اشتغل بالأصلين أصول الفقه الّذي يبحث في أصول المسائل
الفرعية ، وقبل أن يتهجم على أصول العقيدة أعد نفسه بالتعمق في العلوم العقلية. وبعد
أن تسلّح بكل هذه الأسلحة ، وتدرّع بكل تلك الدروع ؛ أصبح أهلا للبحث في المسائل
الاعتقادية التى بلغت مؤلفاته فيها الغاية ؛ بل إن منها ما اعتبر بحق أهم مؤلف في
أصول الدين : وهو كتاب (أبكار الأفكار).
فهو اذن لم يقف
عند المرحلة الأولى كما وقف خصومه ؛ وإنما تعداها إلى مراحل أعلا تحتاج إلى مؤهلات
خاصة كانت متوفرة لديه ، وأوصلته إلى المكانة المرموقة التى بلغها ، فقد وصفه
معاصروه ، وتلاميذه ، والمنصفون من المؤرخين بصفات يتضح منها ذكاؤه المفرط ،
وفصاحته ، وتواضعه الجم ، وحسن خلقه ، ورقة شمائله ، وحسن اعتقاده ، وسماحته حتى
مع خصومه ، وقد أهله كل ذلك لإمامة عصره ، والعصور التالية.
__________________