مقتضاها في الأزل العلم بأن العالم يكون من بعد ، وعند الوجود العلم بأنه كائن وبعده العلم بأنه كان ، وهذه الأحوال تتعاقب على العالم ويكون مكشوفا لله تعالى تلك الصفة وهي لم تتغير ، وإنما المتغير أحوال العالم ، وإيضاحه بمثال وهو أنا إذا فرضنا للواحد منا علما بقدوم زيد عند طلوع الشمس وحصل له هذا العلم قبل طلوع الشمس ولم ينعدم بل بقي ولم يخلق له علم آخر عند طلوع الشمس فما حال هذا الشخص عند الطلوع ، أيكون عالما بقدوم زيد أو غير عالم؟ ومحال أن يكون غير عالم لأنه قدر بقاء العلم بالقدوم عند الطلوع ، وقد علم الآن الطلوع فيلزمه بالضرورة أن يكون عالما بالقدوم ، فلو دام عند انقضاء الطلوع فلا بد أن يكون عالما بأنه كان قد قدم والعلم الواحد أفاد الاحاطة بأنه سيكون وانه كائن وأنه قد كان ، فهكذا ينبغي أن يفهم علم الله القديم الموجب بالاحاطة بالحوادث ، وعلى هذا ينبغي أن يقاس السمع والبصر ، فإن كل واحد منهما صفة ينصف بها المرئي والمسموع عند الوجود من غير حدوث تلك الصفة ولا حدوث أمر فيها ، وإنما الحادث المسموع والمرئي ، والدليل القاطع على هذا هو أن الاختلاف بين الأحوال شيء واحد في انقسامه إلى الذي كان ويكون وهو كائن لا يزيد على الاختلاف بين الذوات المختلفة ، ومعلوم أن العلم لا يتعدد بتعدد الذوات فكيف يتعدد بتعدد أحوال ذات واحدة ، وإذا كان علم واحد يفيد الإحاطة بذوات مختلفة متباينة فمن أين يستحيل أن يكون علم واحد يفيد إحاطة بأحوال ذات واحدة بالإضافة إلى الماضي والمستقبل ، ولا شك أن جهما ينفي النهاية عن معلومات الله تعالى ثم لا يثبت علوما لا نهاية لها فيلزمه أن يعترف بعلم واحد يتعلق بمعلومات مختلفة فكيف يستبعد ذلك في أحوال معلوم واحد يحققه أنه لو حدث له علم بكل حادث لكان ذلك العلم لا يخلو إما أن يكون معلوما أو غير معلوم ، فإن لم يكن معلوما فهو محال ، لأنه حادث ، وإن جاز حادث لا يعلمه مع أنه في ذاته أولى بأن يكون متضحا له فبان