فانه إن فهم ذلك
لم يمكن أن يقال سواد زيد غير زيد ، لأنه لا يوجد دون زيد ، قد انكشف بهذا ما هو
حظ المعنى وما هو حظ اللفظ فلا معنى للتطويل في الجليات.
الحكم الثاني :
في الصفات : ندعي
أن هذه الصفات كلها قائمة بذاته لا يجوز أن يقوم شيء منها بغير ذاته ، سواء كان في
محل أو لم يكن في محل ، وأما المعتزلة فإنهم حكموا بأن الإرادة لا تقوم بذاته
تعالى ، فإنها حادثة وليس هو محلا للحوادث ، ولا يقوم بمحل آخر لأنه يؤدي إلى أن
يكون ذلك المحل هو المريد به ، فهي توجد لا في محل ، وزعموا أن الكلام لا يقوم بذاته
لأنه حادث ولكن يقوم بجسم هو جماد حتى لا يكون هو المتكلم به ، بل المتكلم به هو
الله سبحانه. أما البرهان على أن الصفات ينبغي أن تقوم بالذات فهو عند من فهم ما
قدمناه مستغنى عنه ، فإن الدليل لما دل على وجود الصانع سبحانه دل بعده على أن
الصانع تعالى بصفة كذا ولا نعني بأنه تعالى على صفة كذا ، إلّا أنه تعالى على تلك
الصفة ، ولا فرق بين كونه على تلك الصفة وبين قيام الصفة بذاته. وقد بينا أن مفهوم
قولنا عالم واحد وبذاته تعالى علم واحد ، كمفهوم قولنا مريد ، وقامت بذاته تعالى
إرادة واحدة ، ومفهوم قولنا لم تقم بذاته إرادة وليس بمريد واحد. فتسميته الذات
مريدة بإرادة لم تقم به كتسميته متحركا بحركة لم تقم به. وإذا لم تقم الإرادة به
فسواء كانت موجودة أو معدومة فقول القائل إنه مريد لفظ خطأ ، لا معنى له ، وهكذا
المتكلم ، فإنه متكلم باعتبار كونه محلا للكلام ، إذ لا فرق بين قولنا هو متكلم
وبين قولنا قام الكلام به ، ولا فرق بين قولنا ليس بمتكلم وقولنا لم يقم بذاته
كلام ، كما في كونه مصوتا ومتحركا ، فإن صدق على الله تعالى قولنا لم يقم بذاته
كلام صدق قولنا ليس بمتكلم لأنهما عبارتان عن معنى واحد ، والعجب من قولهم إن
الإرادة توجد لا في محل ، فإن جاز وجود صفة من الصفات لا في محل