مقروء بالألسنة ، وأما الكاغذ والحبر والكتابة والحروف والأصوات كلها حادثة لأنها أجسام وأعراض في أجسام فكل ذلك حادث ، وإن قلنا إنه مكتوب في المصحف ، أعني صفة تعالى القديم ، لم يلزم أن تكون ذات القديم في المصحف ، كما أنا إذا قلنا النار مكتوبة في الكتاب لم يلزم منه ان تكون ذات النار حالة فيه ، إذ لو حلت فيه لاحترق المصحف ، ومن تكلم بالنار فلو كانت ذات النار بلسانه لاحترق لسانه ، فالنار جسم حار وعليه دلالة هي الأصوات المقطعة تقطيعا يحصل منه النون والألف والراء ، فالحار المحرق ذات المدلول عليه لا نفس الدلالة ، فكذلك الكلام القديم القائم بذات الله تعالى هو المدلول لا ذات الدليل والحروف أدلة وللأدلة حرمة إذ جعل الشرع لها حرمة فلذلك وجب احترام المصحف لأن فيه دلالة على صفة الله تعالى.
الاستبعاد الثالث : إن القرآن كلام الله تعالى أم لا؟ فإن قلتم لا فقد خرقتم الإجماع ، وإن قلتم نعم فما هو سوى الحروف والأصوات. ومعلوم أن قراءة القارئ هي الحروف والأصوات ، فنقول : هاهنا ثلاثة ألفاظ : قراءة ، ومقروء ، وقرآن ، أما المقروء فهو كلام الله تعالى ، أعني صفته القديمة القائمة بذاته ، وأما القراءة : فهي في اللسان عبارة عن فعل القارئ الذي كان ابتدأه بعد أن كان تاركا له ، ولا معنى للحادث إلا أنه ابتدأ بعد أن لم يكن ، فإن كان الخصم لا يفهم هذا من الحادث فلنترك لفظ الحادث والمخلوق ، ولكن نقول : القراءة فعل ابتدأه القارئ بعد أن لم يكن يفعله وهو محسوس ، وأما القرآن ، فقد يطلق ويراد به المقروء فان أريد به ذلك فهو قديم غير مخلوق وهو الذي أراده السلف رضوان الله عليهم بقولهم القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ، أي المقروء بالألسنة ، وإن أريد به القراءة التي هي فعل القارئ ففعل القارئ لا يسبق وجود القارئ وما لا يسبق وجود الحادث فهو حادث ، وعلى الجملة : من يقول ما أحدثته باختيارى من الصوت وتقطيعه وكنت ساكنا