ولا يتصف بصفة المدلول ، وإن كانت دلالته ذاتية كالعالم فإنه حادث ويدل على صانع قديم فمن أين يبعد أن تدل حروف حادثة على صفة قديمة مع أن هذه دلالة بالاصطلاح؟ ولما كان كل كلام النفس دقيقا زلّ على ذهن أكثر الضعفاء فلم يثبتوا إلا حروفا وأصواتا ويتوجه لهم على هذا المذهب أسئلة واستبعادات نشير إلى بعضها ليستدل بها على طريق الدفع في غيرها.
الاستبعاد الأول : قول القائل كيف سمع موسى كلام الله تعالى ؛ أسمع صوتا وحرفا؟ فإن قلتم ذلك فإذا لم يسمع كلام الله فإن كلام الله ليس بحرف. وإن لم يسمع حرفا ولا صوتا فكيف يسمع ما ليس بحرف ولا صوت؟
قلنا : سمع كلام الله تعالى وهو صفة قديمة قائمة بذات الله تعالى ليس بحرف ولا صوت ، فقولكم كيف سمع كلام الله تعالى كلام من لا يفهم المطلوب من سؤال كيف ، وإنه ما ذا يطلب به وبما ذا يمكن جوابه فلتفهم ذلك حتى تعرف استحالة السؤال. فنقول : السمع نوع إدراك ، فقول القائل كيف سمع كقول القائل كيف أدركت بحاسة الذوق حلاوة السكر ، وهذا السؤال لا سبيل إلى شفائه إلا بوجهين أحدهما أن نسلم سكرا إلى هذا السائل حتى يذوقه ويدرك طعمه وحلاوته ، فنقول أدركت أنا كما أدركته أنت الآن وهذا هو الجواب الشافي والتعريف التام. والثاني أن يتعذر ذلك إما لفقد السكر أو لعدم الذوق في السائل للسكر ، فنقول : أدركت طعمه كما أدركت أنت حلاوة العسل فيكون هذا جوابا صوابا من وجه وخطأ من وجه. أما وجه كونه صوابا فإنه تعريف بشيء يشبه المسئول عنه من وجه ، وإن كان لا يشبهه من كل الوجوه وهو أصل الحلاوة ، فإن طعم العسل يخالف طعم السكر وإن قاربه من بعض الوجوه وهو أصل الحلاوة ، وهذا غاية الممكن. فإن لم يكن السائل قد ذاق حلاوة شيء أصلا تعذر جوابه وتفهيم ما سأل عنه وكان كالعنين يسأل عن لذة الجماع وقط ما أدركه فيمتنع تفهيمه ، إلا أن نشبهه له الحالة التي يدركها المجامع بلذة الأكل فيكون خطأ من وجه إذ لذة الجماع والحالة التي يدركها المجامع لا تساوي الحالة التي