ومفهم معنى صحيحا عند العالم ، وهو كقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (١) فإنه يخيل عند الجاهل اجتماعا مناقضا لكونه على العرش ، وعند العالم يفهم أنه مع الكل بالاحاطة والعلم ، وكقوله صلىاللهعليهوسلم : (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) (٢) ، فانه عند الجاهل يخيل عضوين مركبين من اللحم والعظم والعصب مشتملين على الأنامل والأظفار ، نابتين من الكف. وعند العالم يدل على المعنى المستعار له دون الموضوع له وهو ما كان الاصبع له ، وكان سر الاصبع وروحه وحقيقته وهو القدرة على التقليب كما يشاء ، كما دلت المعية عليه في قوله (وَهُوَ مَعَكُمْ) على ما تراد المعية له وهو العلم والاحاطة ولكن من شائع عبارات العرب العبارة بالسبب عن المسبب ، واستعارة السبب للمستعار منه وكقوله تعالى : (من تقرّب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا ومن أتاني بمشي أتيته بهرولة (٣)) فإن الهرولة عند الجاهل تدل على نقل الأقدام وشدة العدو وكذا الاتيان يدل على القرب في المسافة. وعند العاقل يدل على المعنى المطلوب من قرب المسافة بين الناس وهو قرب الكرامة والانعام وإن معناه أن رحمتي ونعمتي أشد انصبابا إلى عبادي من طاعتهم إليّ وهو كما قال : (لقد طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم لأشد شوقا (٤)) تعالى الله عما يفهم من معنى لفظ الشوق بالوضع الذي هو نوع ألم وحاجة إلى استراحة ، وهو عين النقص ولكن الشوق سبب لقبول المشتاق إليه والإقبال عليه وإفاضة النعمة لديه فعبر به عن المسبب ، وكما عبر بالغضب والرضى عن إرادة الثواب والعقاب الذين هما ثمرتا الغضب والرضى ومسبباه في العادة ، وكذا لما قال في الحجر الأسود إنه (يمين الله في الأرض) (٥) يظن الجاهل انه اراد به اليمين المقابل للشمال التي هي عضو
__________________
(١) سورة الحديد الآية : ٥
(٢) رواه مسلم.
(٣) رواه مسلم.
(٤) لا أصل له.
(٥) في اسناده ضعف ، والحديث رواه ابن خزيمة.