قوله عليهالسلام : (ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا) قلنا الكلام على الظواهر الواردة في هذا الباب طويل ولكن نذكر منهجا في هذين الظاهرين يرشد إلى ما عداه وهو أنا نقول : الناس في هذا فريقان عوام وعلماء ، والذي نراه اللائق بعوام الخلق أن لا يخاض بهم في هذه التأويلات بل ننزع عن عقائدهم كل ما يوجب التشبيه ويدل على الحدوث ونحقق عندهم أنه موجود ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، وإذا سألوا عن معاني هذه الآيات زجروا عنها ، وقيل ليس هذا بعشكم فادرجوا فلكل علم رجال. ويجاب بما أجاب به مالك بن انس رضي الله عنه ، بعض السلف حيث سئل عن الاستواء ، فقال : الاستواء معلوم والكيفية مجهولة ، والسؤال عنه بدعة ، والايمان به واجب ، وهذا لأن عقول العوام لا تتسع لقبول المعقولات ولا إحاطتهم باللغات ولا تتسع لفهم توسيعات العرب في الاستعارات.
وأما العلماء فاللائق بهم تعريف ذلك وتفهمه ، ولست أقول أن ذلك فرض عين إذ لم يرد به تكليف بل التكليف التنزيه عن كل ما تشبهه بغيره. فأما معاني القرآن ، فلم يكلف الأعيان فهم جميعها أصلا ولكن لسنا نرتضي قول من يقول ، أن ذلك من المتشابهات كحروف أوائل السور ، فان حروف أوائل السور ليست موضوعة باصطلاح سابق للعرب للدلالة على المعاني ، ومن نطق بحروف وهن كلمات لم يصطلح عليها ، فواجب أن يكون معناه مجهولا إلا أن يعرف ما أردته ، فإذا ذكره صارت تلك الحروف كاللغة المخترعة من جهته.
وأما قوله صلىاللهعليهوسلم : (ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا) ، فلفظ مفهوم ذكر للتفهم وعلم أنه يسبق إلى الإفهام منه المعنى الذي وضع له أو المعنى الذي يستعار ، فكيف يقال إنه متشابه بل هو مخيل معنى خطأ عند الجاهل