بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي اجتبى من صفوة عباده عصابة الحق واهل السنة ، وخصهم من بين سائر الفرق بمزايا اللطف والمنة ، وافاض عليهم من نور هدايته ما كشف به عن حقائق الدين ، وأنطق ألسنتهم بحجته التي قمع بها ضلّال الملحدين ، وصفّى سرائرهم من وساوس الشياطين ، وطهّر ضمائرهم عن نزغات الزائغين ، وعمر أفئدتهم بأنوار اليقين حتى اهتدوا بها إلى أسرار ما أنزله على لسان نبيه وصفيه محمد صلىاللهعليهوسلم سيد المرسلين ، واطلعوا على طريق التلفيق بين مقتضيات الشرائع وموجبات العقول ؛ وتحققوا أن لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول. وعرفوا أن من ظن من الحشوية وجوب الجمود على التقليد ، واتباع الظواهر ما أتوا به إلا من ضعف العقول وقلة البصائر. وان من تغلغل من الفلاسفة وغلاة المعتزلة في تصرف العقل حتى صادموا به قواطع الشرع ، ما أتوا به إلّا من خبث الضمائر. فميل أولئك إلى التفريط وميل هؤلاء إلى الافراط ، وكلاهما بعيد عن الحزم والاحتياط. بل الواجب المحتوم في قواعد الاعتقاد ملازمة الاقتصاد والاعتماد على الصراط المستقيم ؛ فكلا طرفي قصد الأمور ذميم. وانى يستتب الرشاد لمن يقنع بتقليد الأثر والخبر ، وينكر مناهج البحث والنظر ، أو لا يعلم انه لا مستند للشرع إلّا قول سيد البشر