عن تأويله فيقول : خاتم النبيين أراد به أولي العزم من الرسل ، فإن قالوا النبيين عام ، فلا يبعد تخصيص العام ، وقوله لا نبي بعدي لم يرد به الرسول ، وفرق بين النبي والرسول والنبي أعلى رتبة من الرسول إلى غير ذلك من أنواع الهذيان. فهذا وأمثاله لا يمكن أن ندعي استحالته من حيث مجرد اللفظ فإنا في تأويل ظواهر التشبيه قضينا باحتمالات أبعد من هذه ولم يكن ذلك مبطلا للنصوص ، ولكن الرد على هذا القائل أن الأمة فهمت بالإجماع من هذا اللفظ ومن قرائن أحواله أنه أفهم عدم نبي بعده أبدا وعدم رسول الله أبدا وأنه ليس فيه تأويل ولا تخصيص فمنكر هذا لا يكون إلا منكر الإجماع ، وعند هذا يتفرع مسائل متقاربة مشتبكة يفتقر كل واحد منها إلى نظر ، والمجتهد في جميع ذلك يحكم بموجب ظنه يقينا وإثباتا والغرض الآن تحرير معاقد الأصول التي يأتي عليها التكفير وقد نرجع إلى هذه المراتب الستة ولا يعترض فرع إلا ويندرج تحت رتبة من هذه الرتب ، فالمقصود التأصيل دون التفصيل. فإن قيل : السجود بين يدي الصنم كفر ، وهو فعل مجرد لا يدخل تحت هذه الروابط ، فهل هو أصل آخر؟ قلنا : لا ، فإن الكفر في اعتقاده تعظيم الصنم ، وذلك تكذيب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والقرآن ولكن يعرف اعتقاده تعظيم الصنم تارة بتصريح لفظه ، وتارة بالإشارة إن كان أخرسا ، وتارة بفعل يدل عليه دلالة قاطعة كالسجود حيث لا يحتمل أن يكون السجود لله وإنما الصنم بين يديه كالحائط وهو غافل عنه أو غير معتقد تعظيمه ، وذلك يعرف بالقرائن. وهذا كنظرنا أن الكافر إذا صلّى بجماعتنا هل يحكم باسلامه ، أي هل يستدل على اعتقاد التصديق؟ فليس هذا إذن نظرا خارجا عما ذكرناه ، ولنقتصر على هذا القدر في تعريف مدارك التكفير وإنما أوردناه من حيث أن الفقهاء لم يتعرضوا له والمتكلمون لم ينظروا فيه نظرا فقيها ، إذ لم يكن ذلك من فنهم ، ولم ينبه بعضهم بها لقرب المسألة من الفقهيات ، لأن النظر في الأسباب الموجبة