فان قلت غرضي أن
أعرف اصطلاح المتكلمين وأنهم عبروا بالنظر عما ذا ، فاعلم أنك اذا سمعت واحدا يجد
النظر بالفكر ، وآخر بالطلب ، وآخر بالفكر الذي هو يطلب به ، لم تسترب في اختلاف
اصطلاحاتهم على ثلاثة أوجه. والعجب ممن لا يتفطن هذا ويفرض الكلام في حد النظر.
مسألة
خلافية : ويستدل بصحة
واحد من الحدود وليس يدري أن حظ المعنى المعقول من هذه الأمور لا خلاف فيه وأن
الاصطلاح لا معنى للخلاف فيه. وإذا أنت امعنت النظر واهتديت السبيل عرفت قطعا أن
اكثر الأغاليط نشأت من ضلال من طلب المعاني من الألفاظ ، ولقد كان من حقه ان يقدر
المعاني أولا ثم ينظر في الالفاظ ثانيا ، ويعلم أنها اصطلاحات لا تتغير بها
المعقولات. ولكن من حرم التوفيق استدبر الطريق ، ونكل عن التحقيق.
فإن قلت : إني لا
استريب في لزوم صحة الدعوى من هذين الأصلين إذا أقر الخصم بهما على هذا الوجه ،
ولكن من أين يجب على الخصم الاقرار بهما ومن أين تقتضي هذه الأحوال المسلمة
الواجبة التسليم؟ فاعلم أن لها مدارك شتى ولكن الذي نستعمله في هذا الكتاب نجتهد
أن لا يعلم ستة :
الأول
منها : الحسيات ،
أعني المدرك بالمشاهدة
الظاهرة والباطنة ، مثاله أنّا إذا قلنا مثلا كل حادث فله سبب ، وفي العالم حوادث
فلا بدلها من سبب. فقولنا : في العالم حوادث ، أصل واحد يجب الإقرار به ، فإنه
يدرك بالمشاهدة الظاهرة حدوث أشخاص الحيوانات والنباتات والغيوم والامطار ومن
الأعراض الأصوات والألوان. وان تخيل أنها منتقلة ، فالانتقال حادث ونحن لم ندع إلا
حادثا ولم نعين أن ذلك الحادث جوهر أو عرض أو انتقال أو غيره. وكذلك يعلم
بالمشاهدة الباطنة حدوث الآلام والافراح والغموم في قلبه فلا يمكنه انكاره.