ومتابعته ، وهو أقرب من تقدير مكابرتهم النص وكتمانه ، ثم إنما يتخيل وجوب ذلك لتعذر قطع الاختلاف وليس ذلك بمعتذر ، فإن البيعة تقطع مادة الاختلاف والدليل عليه عدم الاختلاف في زمان أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم ، وقد توليا البيعة ، وكثرته في زمان عليّ رضي الله عنه ومعتقد الإمامية أنه تولى بالنص.
الطرف الثالث : في شرح عقيدة أهل السنة في الصحابة والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
اعلم أن للناس في الصحابة والخلفاء إسراف في أطراف ؛ فمن مبالغ في الثناء حتى يدعي العصمة للائمة ، ومنهم متهجم على الطعن بطلق اللسان بذم الصحابة ، فلا تكونن من الفريقين واسلك طريق الاقتصاد في الاعتقاد ، واعلم أن كتاب الله مشتمل على الثناء على المهاجرين والأنصار وتواترت الأخبار بتزكية النبي صلىاللهعليهوسلم إياهم بألفاظ مختلفة ، كقوله (اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) (١) وكقوله : (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم) (٢) وما من واحد إلا وورد عليه ثناء خاص في حقه يطول نقله ، فينبغي أن تستصحب هذا الاعتقاد في حقهم ولا تسيء الظن بهم كما يحكى عن أحوال تخالف مقتضى حسن الظن ، فأكثر ما ينقل مخترع بالتعصب في حقهم ولا أصل له وما ثبت نقله فالتأويل متطرق إليه ولم يجز ما لا يتسع العقل لتجويز الخطأ والسهو فيه ، وحمل أفعالهم على قصد الخير وإن لم يصيبوه. والمشهور من قتال معاوية مع علي ومسير عائشة رضي الله عنهم إلى البصرة والظن بعائشة أنها كانت تطلب تطفئة الفتنة ولكن خرج الأمر من الضبط ، فأواخر الأمور لا تبقى على وفق طلب أوائلها ،
__________________
(١) حديث موضوع.
(٢) رواه مسلم.