والسلطان حارس وما
لا أس له فمهدوم وما لا حارس له فضائع ، وعلى الجملة لا يتمارى العاقل في أن الخلق
على اختلاف طبقاتهم وما هم عليه من تشتت الأهواء وتباين الآراء لو خلّوا وراءهم
ولم يكن رأي مطاع يجمع شتاتهم لهلكوا من عند آخرهم ، وهذا داء لا علاج له إلا
بسلطان قاهر مطاع يجمع شتاب الآراء ، فبان أن السلطان ضروري في نظام الدنيا ،
ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين ، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة وهو
مقصود الأنبياء قطعا ، فكان وجوب نصب الإمام من ضروريات الشرع الذي لا سبيل إلى
تركه فاعلم ذلك.
الطرف
الثاني : في بيان من
يتعين من سائر الخلق لأن ينصب إماما.
فنقول : ليس يخفى
أن التنصيص على واحد نجعله إماما بالتشهي غير ممكن ، فلا بد له من تميز بخاصية
يفارق سائر الخلق بهذا ، فتلك خاصية في نفسه وخاصية من جهة غيره ، أما من نفسه فأن
يكون أهلا لتدبير الخلق وحملهم على مراشدهم ، وذلك بالكفاية والعلم والورع ،
وبالجملة خصائص القضاة تشترط فيه مع زيادة نسب قريش ؛ وعلم هذا الشرط الرابع
بالسمع حيث قال النبي صلىاللهعليهوسلم : (الأئمة من قريش) فهذا تميزه عن أكثر الخلق ولكن ربما يجتمع في قريش جماعة
موصوفون بهذه الصفة فلا بد من خاصية أخرى تميزه ، وليس ذلك إلا التولية أو التفويض
من غيره ، فإنما يتعين للإمامة مهما وجدت التولية في حقه على الخصوص من دون غيره ،
فيبقى الآن النظر في صفة المولى فإن ذلك لا يسلم لكل أحد بل لا بد فيه من خاصية
وذلك لا يصدر إلا من أحد ثلاثة : إما التنصيص من جهة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإما التنصيص من جهة إمام العصر بأن يعين لولاية العهد
شخصا معينا من أولاده أو سائر قريش ، وإما التفويض
__________________