والارض ، وإنه قال إني خاتم الأنبياء.
أما الشبهة الاولى فبطلانها بفهم النسخ ، وهو عبارة عن الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت المشروط استمراره بعد لحقوق خطاب يرفعه ، وليس من المحال أن يقول السيد لعبده قم مطلقا ، ولا يبين له مدة القيام ، وهو يعلم أن القيام مقتضى منه إلى وقت بقاء مصلحته في القيام ، ويعلم مدة مصلحته ولكن لا ينبه عليها ، ويفهم العبد أنه مأمور بالقيام مطلقا وأن الواجب الاستمرار عليه أبدا إلا أن يخاطبه السيد بالقعود ؛ فإذا خاطبه بالقعود قعد ولم يتوهم بالسيد أنه بدا له أو ظهرت له مصلحة كان لا يعرفها ، والآن قد عرفها ، بل يجوز أن يكون قد عرف مدة مصلحة القيام وعرف أن الصلاح في أن لا ينبه العبد عليها ويطلق الأمر له إطلاقا حتى يستمر على الامتثال ، ثم إذا تغيرت مصلحته أمره بالقعود ، فهكذا ينبغي أن يفهم اختلاف أحكام الشرائع ، فإن ورود النبي ليس بناسخ لشرع من قبله بمجرد بعثته ، ولا في معظم الأحكام ، ولكن في بعض الأحكام كتغير قبلة وتحليل محرم وغير ذلك ، وهذه المصالح تختلف بالأعصار والأحوال فليس فيه ما يدل على التغير ولا على الاستبانة بعد الجهل ولا على التناقض ، ثم هذا إنما يستمر لليهود إذ لو اعتقدوا أنه لم يكن شريعة من لدن آدم إلى زمن موسى لم ينكروا وجود نوح وابراهيم وشرعهما ، ولا يتميزون فيه عمن ينكر نبوة موسى وشرعه وكل ذلك إنكار ما علم على القطع بالتواتر.
وأما الشبهة الثانية فسخيفة من وجهين. أحدهما ، أنه لو صح ما قالوه عن موسى لما ظهرت المعجزات على يد عيسى ، فان ذلك تصديق بالضرورة ، فكيف يصدق الله بالمعجزة من يكذب موسى وهو أيضا مصدق له ، أفتنكرون معجزة عيسى وجودا أو تنكرون إحياء الموتى دليلا على صدق المتحدي؟ فإن أنكروا شيئا منهم لزمهم في شرع موسى لزوما لا يجدون عنه محيصا ، وإذا اعترفوا به لزمهم تكذيب من نقل إليهم من موسى عليهالسلام قوله إني خاتم الأنبياء. والثاني : أن هذه الشبهة إنما لقنوها بعد بعثة نبينا محمد عليهالسلام وبعد وفاته ، ولو كانت صحيحة لاحتج اليهود بها وقد حملوا بالسيف على الاسلام ، وكان