واحدة ، على أنا لو نزلنا على فاسد معتقد هم فلا نسلم أن من يستخدم عبده يجب عليه في العادة ثواب ، لأن الثواب يكون عوضا عن العمل فتبطل فائدة الرق وحق على العبد أن يخدم مولاه لأنه عبده ، فان كان لأجل عوض فليس ذلك خدمة ، ومن العجائب قولهم : إنه يجب الشكر على العباد لأنهم عباد ، قضاء لحق نعمته ، ثم يجب عليه الثواب على الشكر وهذا محال ، لأن المستحق إذا وفي لم يلزمه فيه عوض ، ولو جاز ذلك للزم على الثواب شكر مجدد وعلى هذا الشكر ثواب مجدد ويتسلسل إلى غير نهاية ، ولم يزل العبد والرّب كل واحد منهما أبدا مقيدا بحق الآخر ، وهو محال ، وأفحش من هذا قولهم : إن كل من كفر فيجب على الله تعالى أن يعاقبه أبدا ويخلده في النار ، بل كل من قارف كبيرة ومات قبل التوبة يخلد في النار ، وهذا جهل بالكرم والمروءة والعقل والعادة والشرع وجميع الامور ، فإنا نقول : العبادة قاضية والعقول مشيرة إلى أن التجاوز والصفح أحسن من العقوبة. والانتقام وثناء الناس على العافي أكثر من ثنائهم للمنتقم ، واستحسانهم للعفو أشد ، فكيف يستقبح العفو والإنعام ويستحسن طول الانتقام! ثم هذا في حق من أذته الجناية وغضت من قدره المعصية ، والله تعالى يستوي في حقه الكفر والايمان والطاعات والعصيان فهما في حق إلاهيته وجلاله سيان ، ثم كيف يستحسن أن سلك طريق المجازاة واستحسن ذلك تأييد العقاب خالدا مخلدا في مقابلته العصيان بكلمة واحدة في لحظة ، ومن انتهى عقله في الاستحسان إلى هذا الحد كانت دار المرضى أليق به من مجامع العلماء. على أنا نقول : لو سلك سالك ضد هذا الطريق بعينه كان أقوم قيلا وأجرى على قانون الاستحسان والاستقباح الذي تقضي به الأوهام والخيالات كما سبق ، وهو أن نقول : الانسان يقبح منه أن يعاقب على جناية سبقت وجناية تداركها إلا لوجهين :
أحدهما ، أن يكون في العقوبة زجر ورعاية مصلحة في المستقبل فيحسن ذلك خيفة من فوات غرض في المستقبل ، فإن لم يكن فيه مصلحة في المستقبل