الشرك لإلصاقهم الجسمية ولوازمها بالخالق العظيم. ويشهد لما قلنا ما ورد عن القرطبي ، قال : كان السلف الأول لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك ، بل نطقوا والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله ، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة ، وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته ، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته. قال مالك : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة (١).
ومذهب مالك ـ وهو من أئمة السلف وأصحاب الحديث ـ معروف في التجسيم ، «وأهل الحديث لا يرجعون إلى القياس الجليّ والخفي ما وجدوا خبرا أو أثرا ، فكل اهتمامهم بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص» (٢).
وفي مقابل أصحاب الحديث توجد فرقة تسمى بأصحاب الرأي ، «وسموا بذلك لأن أكثر عنايتهم بتحصيل وجه القياس ، والمعنى المستنبط من الأحكام ، وبناء الحوادث عليها وربما يقدّمون القياس الجلي على آحاد الأخبار. ومن دعاة الرأي أبو حنيفة قال : علمنا هذا رأي ، أحسن ما قدرنا عليه ، فمن قدر على غير ذلك فله ما رأى ، ولنا ما رأينا» (٣).
فمالك بن أنس وأحمد بن حنبل وسفيان الثوري وداود الأصفهاني وغيرهم من أهل الحديث لم يتعرضوا للتأويل ، بل توقفوا فيه ، وقالوا لسنا مكلفين بمعرفة تفسير الآيات المتشابهات ـ التي ظاهرها التشبيه ـ وتأويلها ، بل التكليف عندهم قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له وليس كمثله شيء (٤).
__________________
(١) عقائد السنة ص ٢١ نقلا عن جامع أحكام القرآن للقرطبي ، وفي نسخة الملل والنحل ج ١ / ٩٣ ، قال مالك : «.. والكيفية مجهولة والإيمان به واجب».
(٢) الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ٢٠٦ أصناف المجتهدين.
(٣) الملل والنحل ج ١ / ٢٠٧.
(٤) نفس المصدر ج ١ / ٩٢ ـ ٩٣ بتصرف بالألفاظ وص ١٠٤.