الملاحظة الثانية : ادّعاء أبي بكر أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ترك الأمر للمسلمين ليختاروا لأنفسهم وقد اختاروا أبا بكر عليهم واليا ، وهو ادعاء كاذب لا يمت إلى الحقيقة بصلة ، إذ لم يدع رسول الله الأمر شورى بين المسلمين بل نصّب عليهم بأمر من الله يوم غدير خم الإمام عليا عليهالسلام خليفة وقيّما ووليا ، وقد هنأ الشيخان الإمام عليا بولايته على كل مؤمن ومؤمنة ، هذا مضافا إلى أن أبا بكر وعمر نفسيهما لم يذهبا من الدنيا حتى خلّفا على هذه الأمة من ينوب عنهما في أمور الرعية ، بل إن أبا بكر ذكر ذلك في خطبته تلك مخاطبا العبّاس : «فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا» فإذا ثبت الانتخاب للأدنى ليصلح الرعية ، ثبت بطريق أولى للأشرف أعني النبيّ بأمر من الله تعالى ، فما هذه الغميزة بحق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟!
الملاحظة الثالثة : أظهر أقطاب السقيفة امتعاضهم من أن يكون البيت الهاشمي الحصن المنيع لكل مستضعف يلجأ إليه ، وهذا الأمر له دلالاته عند الشيخين لكونه لا يتناسب وأسس الحكومة البكرية الجديدة ، التي تتعاطى مع الأحداث بالعنف والقسوة لبسط نفوذها وهيبتها.
الملاحظة الرابعة : ادعاء أبي بكر أن المسلمين عدلوا عن آل هاشم إلى آل تيم وعدي كما أن رسول الله من بني هاشم ومنهم ، في حين إنّ رسول الله من شجرة طيبة تختلف بجوهرها عن باقي الشجر ، وكما عبّر العبّاس : إن رسول الله من شجرة نحن أغصانها ، وأنتم جيرانها.
هذا مضافا إلى أن المسلمين لم يعدلوا عن آل هاشم وإنما عدّلوا بالسيف والقهر إلى منطق السقيفة ، هذا إذا أحسنّا الظن بهم ، وإلّا أين كان المسلمون عند ما «احتاجت إليهم بضعة المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم لنصرتها ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به» (١).
__________________
(١) لاحظ : الإمامة والسياسة ص ٢٩ فصل إباية الإمام علي عن البيعة لأبي بكر.