النعمة والمنّة علينا بذلك (١).
ولمّا استقر الوضع قليلا ، قام أبو بكر مستغلا الفرصة فقال :
إني ناصح لكم في أحد هذين الرجلين : أبي عبيدة بن الجراح ، أو عمر فبايعوا من شئتم منهما ، فقال عمر : معاذ الله أن يكون ذلك وأنت بين أظهرنا ، أنت أحقنا بهذا الأمر ، وأقدمنا صحبة لرسول الله وأفضل منا في المال وأنت أفضل المهاجرين وثاني اثنين وخليفته على الصلاة ، والصلاة أفضل أركان دين الإسلام فمن ذا ينبغي أن يتقدمك ويتولى هذا الأمر عليك؟ ابسط يدك أبايعك ، فلما ذهبا يبايعانه سبقهما إليه بشير الأنصاري فبايعه ، فناداه الحباب بن المنذر : يا بشير بن سعد عقّك عقاق ما اضطرك إلى ما صنعت؟ حسدت ابن عمك على الإمارة؟ قال: لا والله ، ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا لهم.
فلما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وهو من سادات الخزرج ، وما دعوا إليه المهاجرين من قريش ، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة ، قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير : لئن وليتموها سعدا عليكم مرة واحدة لا زالت لهم بذلك عليكم الفضيلة ، ولا جعلوا لكم نصيبا فيها أبدا ، فقوموا فبايعوا أبا بكر ، فقاموا إليه فبايعوه.
فقام الحباب بن المنذر إلى سيفه فأخذه ، فبادروا إليه فأخذوا سيفه منه ، فجعل يضرب بثوبه وجوههم حتى فرغوا من البيعة ، فقال : فعلتموها يا معشر الأنصار أما والله لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفهم ولا يسقون الماء.
فقال أبو بكر : أمنا تخاف يا حباب؟
قال : ليس منك أخاف ، ولكن ممن يجيء بعدك. قال أبو بكر : فإذا كان ذلك كذلك ، فالأمر إليك وإلى أصحابك ، ليس لنا عليك طاعة. قال الحباب :
__________________
(١) نفس المصدر ص ٢٦.