فليكن ـ على أقل تقدير ـ أعظم سياسي في العالم كله لا أعظم منه ، فكيف يخفى عليه مثل هذا الأمر العظيم لصلاح الأمة بل العالم بأسره مدى الدهر ولا يضع له حدّا فاصلا؟!
وهل يرضى لنفسه عاقل يتولى شئون بلده فضلا عن أمة أن يتركها تحت رحمة الأهواء واختلاف الآراء ولو لأمد محدود وهو قادر على إصلاحها ، أو التنويه عن إصلاحها إلّا أن يكون مسلوبا من كل رحمة وإنسانية؟ حاشا نبينا وسيّدنا محمّد العظيم من جاء رحمة للعالمين ومتمما لمكارم الأخلاق وخاتما للنبيين! وقد قال الله تعالى منوّها بكمال الرسالة وتمامها (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١) وقد وجدناه نفسه لا يترك المدينة المنوّرة ، إذا خرج لحرب أو غزاة من غير أمير يخلفه عليها ، فكيف نصدّق عنه أنه أهمل أمر هذه الأمة العظيمة بعده إلى آخر الدهر من دون وضع قاعدة يرجعون إليها أو تعيين خلف بعده!
سادسا : كيف يعقل أن ينسب للنبي الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم تفويض أمر تعيين الخليفة إلى الأمة المتمثلة بأهل الحل والعقد ، وقد حدّثنا التاريخ أن أهل الحل والعقد أو ما يعبّر عنهم بكبار الأمة ، هم بؤرة الخلاف والنزاع.
وهكذا على مر العصور كانت الطبقة الخاصة مع اختلاف نفوسهم وتباين نزعاتهم كسائر الناس لا ينفكون عن تحيزات فيهم أعظم منها في غيرهم ، ويندر أن يتجردوا عن أهوائهم النفسية ، وأغراضهم الشخصية ، تجعل كل فرد يشرئب إلى هذا المنصب أو ذاك ، فهل أمر كهذا مع أهميته وخطورته يوكل إلى من وصفنا ، وهل يعقل أن أبا بكر تفطن إلى سوء عواقب هذا التشريع دون النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟!! فأسرع أبو بكر وأخوه عمر إلى تعيين الخليفة من بعدهما ، فعيّن الأول أخاه عمر بوصية كتبها بخط عثمان ، وعيّن الثاني عثمان بطريقة اخترعها
__________________
(١) سورة المائدة : ٣.