مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [النحل : ٥٨ ـ ٥٩]، وكانت لديهم عدة طرق في الوأد ، فمنهم من كان إذا ولدت له بنت ، يتركها حتى تكون في السادسة من عمرها ، ثم يقول لأمها : طيّبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها! وقد حفر لها بئرا في الصحراء ، فيبلغ بها البئر ، فيقول لها انظري فيها ، فيدفعها دفعا ، ويهيل التراب عليها ، ومنهم من كان إذا جاء المخاض زوجته ، جلست فوق حفرة محفورة ، فإذا كان الولد بنتا رمت بها فيها وردمتها ، وإن كان ابنا قامت به معها ، وغيرها من الأساليب.
وهكذا كان هذا الظلم الوحشي الجاهلي موضع الرفض الشديد من قبل الإسلام في ما أنزله الله على رسوله من آيات ، وواجهه مواجهة عنيفة ، حتى قضى عليه ، حيث اعتبر الفعل جريمة وحشية ككل الجرائم التي يعاقب عليها بالقصاص ، من دون فرق بين أن يكون الفاعل أبا أو غيره ، لأن الأبوّة لا تبرّر للأب أن يمارس أيّ عمل تعسفيّ مع أولاده. وقد أكد الفكرة من خلال القاعدة التي تساوي بين الرجل والمرأة في المعنى الإنساني ، وفي المسؤولية الشرعية ، فلا فرق بين انحراف الرجل وانحراف المرأة في عقاب الزاني والزانية ، كما أن مسألة الشرف والعار تتصل بكل منهما في نطاقه الشخصي ، فلا ينعكس على أيّ إنسان آخر ، فلكلّ إنسان شرفه وعاره ، (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الإسراء : ١٥] ، وانطلق التشريع ليؤكد ذلك في كل قضايا الحياة المتصلة بالرجل والمرأة ، ولم يفرق بينهما في مستوى القيمة ، فجعل الكرامة لعنصر التقوى الذي قد يجعل المرأة أفضل من بعض الرجال ، أما وجود بعض الفوارق في بعض التشريعات ، فإنها متصلة بالهيكل التنظيمي للعلاقات الزوجية ، ولبعض الأوضاع العامة في نطاق المسؤولية ، من باب توزيع الأدوار من خلال الطبيعة المتنوّعة في تكوين الرجل والمرأة ، لا من خلال الانتقاص من طبيعتها ، ممّا تحدّثنا عنه كثيرا في هذا التفسير.
وهكذا تقف الموءودة في يوم القيامة مع الذي وأدها في الدنيا ، ليطرح