المخلّص من خلال عالم الغيب ، في توسلاتهم الخفية الغيبيّة.
(ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى) فتولّى عن الاستمرار في الحديث مع موسى عليهالسلام ، لأنه لا يريد أن يدخل في حوار فكريّ لا يضمن لنفسه الانتصار فيه. وبدأ يخطط ويسعى للإيقاع بموسى عليهالسلام ولإظهار ضعفه ، بعد أن خيّل إليه أنه يستعمل السحر للوصول إلى هدفه ، لأن مثل هؤلاء الجبابرة لا يتعاملون مع الناس إلا بمنطق القوّة ، لأنهم لا يؤمنون بمنطق الفكر ، وبأسلوب الحوار ، في ما يريدون أن يتوصلوا إليه من نتائج لمصلحة امتداد جبروتهم وقوّة مركزهم.
(فَحَشَرَ) الناس إلى اجتماع عامّ في يوم الزينة الذي يجتمع الناس فيه بشكل كثيف لأنه من أعيادهم ، (فَنادى) في الجماهير المحتشدة التي تتطلع إليه من مواقع استضعافها في خضوع الذل الذي استغرقت فيه من خلال الزمن الطويل الذي عاشوه في تجربة الاضطهاد.
وأراد فرعون أن يؤكد ـ من جديد ـ سلطته ، كمحاولة للإيحاء الذاتي لنفسه بأنه ما يزال في مركز القوّة بعد أن كادت ثقته بنفسه تهتز أمام تحدّي موسى عليهالسلام له ، وقوّته السحرية التي أخذت بمجامع قلبه ، وكتجربة جديدة للإيحاء للناس بذلك من خلال تثبيت الصفة التي يرتفع فيها على الناس بشكل غير معقول ، في ما استغله من ضعفهم وجهلهم وحاجتهم إليه.
(فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ، فلا تتبعوا الأرباب الآخرين مما يلتزمهم الناس من الآلهة ، لأن ربوبيتهم لا ترقى إلى مستوى الربوبية الذي أنا فيه ، ولا تستمعوا إلى كل الادّعاءات الأخرى التي تحاول النيل من مقامي العظيم. قال هذه الكلمة ، وهو يحسب حساب النتائج التي يمكن أن تكون لمصلحة موسى عليهالسلام ، ليضع في داخلهم حاجزا نفسيا ضد التأثر به والانجرار إليه ، بحيث لا يتمكنون من ترك ربهم الأعلى ، واتباع الساحر الذي يريد أن يصل إلى الموقع الأعلى بسحره. وقد كان الناس يفرّقون بين الساحر والإله ، لأن