ربما يقال : إن ظاهر كلمة القرآن هو مجموع ما بين الدفّتين ، ولكن يمكن أن نلاحظ ـ على هذا ـ أن الآيات التي تتحدث عن إنزال القرآن في ليلة مباركة ، وفي شهر رمضان ، وفي ليلة القدر ، هي بعض من القرآن ، فهل تشير إلى نفسها كجزء من القرآن المنزّل؟
ثم إن الظهور في الكل ـ لو كان ـ فهو مشترك بين الآيات التي تتحدث عن النزول التدريجيّ ، وعن نزوله بنفسه ، مما يدلّ على أنّ المراد بالقرآن هو المعنى العام الذي يصدق على الآية والسورة والكتاب كله. كما أننا نلاحظ في كتب السيرة أن النبي كان ينتظر النزول القرآني كلما وقع المسلمون في مشكلة تحتاج إلى الحل ، وكان يتوقف في بيانها للناس انتظارا منه للحل القرآني من الله ، فلو كان قد نزل جملة ، لكان معلوما للنبي بتفاصيله في كل أحكامه ، والله العالم.
* * *
ما هو القدر؟
وما هو المراد بالقدر ، فهل هو بمعنى الشرف والرفعة في ما يمثله ذلك من علوّ الدرجة والمنزلة ، لما لها من المنزلة الرفيعة عند الله ، أم أن المراد التقدير ، فهي الليلة التي يقدّر الله فيها كل أحداث السنة ، من حياة وموت ، وبؤس وشقاء ، وحرب وسلّم وغير ذلك ، ولعل هذا هو الأقرب بلحاظ قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) [الدخان : ٤ ـ ٥] وقوله في آخر السورة : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ).
* * *