الأفعالي ذهبوا إلى الجبر وأن الإنسان مجبور على أفعاله ، لأنهم تصوروا إنّ الإنسان إذا كان مختاراً في أفعاله فإنّ ذلك يعني الشرك في دائرة التوحيد الأفعالي ، في حين أن هذه العقيدة (وهو الجبر) تثير علامات الاستفهام في كافة اصول العقيدة من النبوّة والقيامة والإمامة والعبادات التي أمر بها الإسلام.
والحقيقة أن الإنسان لو كان مخيّراً ومجبوراً في أفعاله وكان يعيش فقدان الإرادة والاختيار في حركته في الحياة فما معنى مؤاخذته ومساءلته يوم القيامة؟
كيف يمكننا توجيه عقاب المذنبين وثواب المطيعين في الحياة الآخرة؟ لأن كلاً من المطيع والعاصي كانا يتحركان في سلوكهما من دون اختيار وإرادة ، فلا المذنب اختار أن يكون مذنباً ولا المطيع اختار أن يكون مطيعاً ، فلما ذا إذن يستحق الأوّل العقوبة والثاني المثوبة؟
إذا قلنا بالجبر فلا ينبغي لأي محكمة أن تعاقب المجرم على جريمته لأنه مجبور حسب الفرض على ذلك.
هل يصحّ أن نعاقب النار على إحراقها لإنسان بريء؟
هل يعقل أن نحاكم البحر ونقضي عليه بالعقاب الصارم لأن إنساناً بريئاً غرق في مياهه؟
هل يمكننا محاكمة الكهرباء فيما لو أدّت إلى قتل شخص بريء؟
بديهي أن جواب هذه الأسئلة بالنفي وستكون مثل هذه المحاكمة مضحكة ومدعاة للسخرية ، وهكذا حال الإنسان المجبور على أفعاله فإنه يكون حاله حال الماء والنار والكهرباء فيما لو أقدم على ارتكاب جريمة.
والملفت للنظر أن أصحاب هذه النظرية يخالفون نظريتهم في مقام العمل والممارسة ، فلو أن أحداً صفعهم لرأيناهم يعترضون عليه ، ولو أنّ لصّاً دخل إلى بيوتهم وسرق منها شيئاً لقاموا بتقديمه إلى المحكمة ، في حين أن الإنسان إذا كان مجبوراً وفاقداً للإرادة فلا معنى للاعتراض والشكاية ، ولكننا نرى هذا التناقض بوضوح بين قول أصحاب عقيدة الجبر وبين أفعالهم وممارساتهم.
لعلّ القارئ العزيز يتصور أن هذه المطالب ما هي إلّا أفكار وتوهمات تجول في مدارات الذهن فقط من دون أن يكون لها رصيد واقعي من الأشخاص المؤيدين لها ، ولكن مع