عَلى تِجارَةٍ) ففي هذه العبارات نفهم أن الله تعالى هو المشتري ، وهو الذي يرغّب البائعين إلى بيع متاعهم وبضاعتهم ، ولكننا نقرأ في آية ليلة المبيت (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ) ومعنى هذه العبارة أن البائع هنا يتقدّم بعرض بضاعته ويبتدأ بالمعاملة. ومن الواضح أن التعبير الأدبي في هذه الآية الشريفة أروع وألطف ، لأن الشخص الذي يقدم نفسه على طبق الإخلاص ويعرضها للبيع لا يجد في نفسه رغبة إلّا بعد ترغيب المشتري رغم أن عمله هذا لا يخلو من التقدير بلا شك.
مضافاً إلى ذلك فإنّ الآية محل البحث تبدأ بكلمة «مِنْ» التبعيضية في قوله «وَمِنَ النّاسِ» أي أن هذا العمل العظيم لا يتمكن من أداءه إلّا بعض الناس في حين أن الآيتين السابقتين تطرح مسألة المعاملة مع الله والمعاوضة بالجنّة والنجاة من النار في إطار عام وشامل «اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنينَ».
ارتباط آية ليلة المبيت مع الآيات التي قبلها
إذا دققنا النظر في الآيات الثلاث قبل آية ليلة المبيت أدركنا عظمة عمل الإمام علي عليهالسلام ومقامه الرفيع عند رسول الله صلىاللهعليهوآله وفي ذلك يقول تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)
أي أن بعض المنافقين الذين يتمتّعون بظاهر جميل وخادع عند ما يرونك يظهرون المحبّة والتملق ويتحدّثون بشكل تشعر فيه بالإعجاب في حين أن باطنهم شيء آخر.
(وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ)
فإن الله تعالى عالم بما يخفي هؤلاء المنافقين المخادعين رغم أنهم يشهدون الله على ما في قلوبهم ، هؤلاء الأشخاص ذوو الظاهر الأنيق والكلام الجميل هم ألدّ (١) أعداء الإسلام وهم منافقون ، وتشير هذه الآيات إلى «الاخنس بن شريق» المنافق المعروف الذي يظهر من كلامه غير ما يبطن بحيث إنّ ظاهره وكلامه يجذب كلَّ مخاطب إليه لحسن بيانه وجمال
__________________
(١) كلمة «لدود» بمعنى شديد العداء ، و «ألدّ الخصام» تعني أشدّ الأعداء.