وتشير هذه الآية إلى قصة نوح عند ما أمطرت السماء بأمر الله تعالى بماء منهمر وتفجّرت الأرض بالعيون الفوّارة وجرى السيل المهيب بحيث لم يستغرق سوى مدّة قليلة حتّى عمّ الماء أرض المعمورة ولم تسلم من الطوفان حتّى الجبال ولذلك أمر الله تعالى نوح ومن معه من المؤمنين بركوب السفينة لينقذوا أنفسهم من الغرق ، ولكن الوثنيين والمشركين ومنهم ابن نوح الذين أصرّوا على سلوك خطّ الباطل والشرك والانحراف غرقوا جميعاً في هذا الطوفان ، هؤلاء كانوا يسخرون يوماً من النبي نوح عليهالسلام لصنعه السفينة بعيداً عن البحر بل اتهموه بالجنون أيضاً وعند ما حدث الطوفان وأمطرت السماء ذلك المطر العجيب وجدوا أنفسهم في معرض العقاب الإلهي وهلكوا جميعاً بسوء أفعالهم.
(لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)
فالقرآن الكريم يشير هنا إلى أن استعراض قصص الأقوام السالفة والأنبياء الإلهيين ليس بهدف بيان وقائع تاريخية محضة بل الهدف والغاية من ذلك هو كسب العبرة واستيحاء التجارب من أحداث التاريخ الغابر والاستفادة منها لممارسات الحاضر ولا يتدبّر في هذه الامور ويستفيد منها إلّا من كانت له اذن واعية ونفس متذكرة لتحفظ هذه الحوادث والقصص التاريخية ، «وعى» بمعنى حفظ الشيء في القلب وفي المصطلح الجديد تطلق هذه الكلمة «الوعي» على من يتعامل مع الأحداث بذهنية متحركة وفكر جيّد ، وعليه فعبارة «اذنٌ واعية» تعني الشخصية التي تستوعب الحدث وتحفظه لتستفيد منه على مستوى التطبيق والممارسة ولا تتركه في طيّات النسيان كما هو الحال في المثال المعروف «يسمع من هذه الاذن ويخرجه من اذنه الاخرى» فالإنسان الواعي لا يتعامل مع مستجدات الواقع بهذه الصورة بل يسمع بكلا اذنيه ويحفظ ما سمعه في قلبه ليكون صاحب الاذن الواعية ، والعين البصيرة ، والقلب السليم ، والعقل المتفكّر.
من هو صاحب الاذن الواعية؟
بالرغم من أن الآية الشريفة لها مفهوم واسع وشامل لجميع الأفراد الذين يتّسمون بهذه السمة «الاذن الواعية» ولكن طبقاً لما ورد في الروايات الكثيرة في تفسير هذه الآية فإنّ