قال أبو حيّان (١) : وما ذكر أنها تفيد التنزيه في باب الاستثناء ، غير معروف عند النحويين ، لا فرق في قولك : قام القوم إلّا زيدا ، وقام القوم حاشا زيد ولمّا مثل بقوله : أساء القوم حاشا زيد ، وفهم من هذا التمثيل براءة زيد من الإساءة ، جعل ذلك مستفادا منها في كل موضع ، وأما ما أنشده من قوله : [الكامل]
حاشا أبي ثوبان
البيت.
فهكذا ينشده ابن عطيّة ، وأكثر النحاة ، وهو بيت ركّبوا فيه صدر بيت على عجز آخر من بيتين ، وهما : [الكامل]
٣٠٩٤ ـ حاشى أبي ثوبان إنّ أبا |
|
ثوبان ليس ببكمة فدم |
عمرو بن عبد الله إنّ به |
|
ضنّا عن الملحاة والشّتم (٢) |
قال شهاب الدّين (٣) : «قوله : «إنّ المعنى الذي ذكره الزمخشريّ لا يعرفه النحاة» ولم ينكروه ؛ وإنما لم يذكروه في كتبهم ؛ لأنّ غالب «فنّهم» صناعة الألفاظ دون المعاني ، ولما ذكروا مع أدوات الاستثناء «ليس» ، و «لا يكون» و «غير» ، لم يذكروا معانيها. إذ مرادهم مساواتها ل «إلّا» في الإخراج ، وذلك لا يمنع من زيادة معنى في تلك الأدوات».
وزعم المبرد ، وغيره كابن عطيّة : أنّها تتعين فعليتها ، إذا وقع بعدها حرف جرّ كالآية الكريمة ، قالوا : لأن حرف الجرّ لا يدخل على مثله إلا تأكيدا ؛ كقوله : [الوافر]
٣٠٩٥ ـ ........... |
|
ولا لما بهم أبدا دواء (٤) |
وقول الآخر : [الطويل]
٣٠٩٦ ـ فأصبحن لا يسألنه عن بما به |
|
........... (٥) |
فيتعيّن أن يكون فعلا فاعله ضمير يوسف ، أي : حاشى يوسف ، و «لله» جارّ ومجرور ، متعلق بالفعل قبله ، واللام تفيد العلّة ، أي : حاشا يوسف أن يقارف ما رمته به ؛ لطاعة الله ، ولمكانه منه ، أو لترفيع الله أن يرمى بما رمته به ، أي : جانب المعصية ؛ لأجل الله.
وأجاب النّاس عن ذلك : بأنّ «حاشا» في الآية الكريمة ، ليست حرفا ولا فعلا وإنّما هي اسم مصدر بدل من اللفظ بفعله ؛ كأنه قيل : تنزيها لله ، وبراءة له ، وإنما لم ينون ؛ مراعاة لأصله الذي نقل منه ، وهو الحرف ، ألا تراهم قالوا : «من عن يمينه» فجعلوا
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٠٠.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٧٦.
(٤) تقدم.
(٥) تقدم.