أربعة إلا درهما» فإن الدرهم يستثنى من الأربعة ، فهو مضاف إلى العشرة ، فكأنك قلت : أحد عشر إلّا أربعة ، أو عشرة إلّا ثلاثة».
والثاني : أنها مستثناة من الضمير المجرور في قوله «لمنجوهم».
وقد منع الزمخشري ـ رحمهالله ـ الوجه الأول ، وعيّن الثاني فقال : «فإن قلت : قوله : «إلا امرأته» ممّ استثني؟ وهل هو استثناء من استثناء؟.
قلت : مستثنى من الضمير المجرور في قوله : «لمنجّوهم» ، وليس من الاستثناء في شيء ؛ لأن الاستثناء من الاستثناء إنّما يكون فيما اتّحد الحكم فيه ، وأن يقال : أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته ، كما اتّحد في قول المطلّق : أنت طالق ثلاثا إلا اثنين إلا واحدة ، وقول المقرّ : لفلان علي عشرة دراهم إلا ثلاثة إلا درهما ، وأما الآية فقد اختلف الحكمان ؛ لأنّ : «آل لوط» متعلق ب «أرسلنا» أو ب : «مجرمين» ، و «إلّا امرأته» قد تعلّق بقوله : «لمنجوهم» فأنّى يكون استثناء من استثناء».
قال أبو حيّان (١) : ولما استسلف الزمخشري أنّ «امرأته» استثناء من الضمير في «لمنجّوهم» أبى أن يكون استثناء من استثناء ، ومن قال : إنه استثناء من استثناء ، فيمكن [تصحيح قوله](٢) بأحد وجهين :
أحدهما : أنه لما كان امرأته مستثنى من الضمير في «لمنجوهم» ، وهو عائد على «آل لوط» صار كأنّه مستثنى من : «آل لوط» ؛ لأنّ المضمر هو الظاهر.
والوجه الآخر : أن قوله «إلّا أل لوط» لمّا حكم عليهم بغير الحكم الذي حكم به على قوم مجرمين ، اقتضى ذلك نجاتهم فجاء قوله : (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) تأكيدا لمعنى الاستثناء ، إذ المعنى : إلا آل لوط لم نرسل إليهم بالعذاب ، ونجاتهم مرتبة على [عدم](٣) الإرسال إليهم بالعذاب ، فصار نظير ذلك : قام القوم إلّا زيدا لم يقم أو إلّا زيدا فإنه لم يقم ، فهذه الجملة تأكيد لما تضمّنه الاستثناء من الحكم على ما بعد إلّا بضدّ الحكم السّابق على المستثنى منه ، ف : «إلّا امرأته» على هذا التقدير الذي قرّرناه مستثنى من : «آل لوط» ؛ لأنّ الاستثناء ممّا جيء به للتّأسيس أولى من الاستثناء ممّا جيء به للتأكيد.
قوله «قدّرنا» قرأ أبو بكر (٤) ههنا ، وفي سورة النمل بتخفيف الدّال ، والباقون بتشديدها ، وهما لغتان : قدّر ، وقدر.
قوله : «إنّها» كسرت من أجل اللّام في خبرها ، ولولاها [لفتحت](٥) ، وهي معلقة
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٤٨.
(٢) في ب : تأويله.
(٣) سقط من : ب.
(٤) ينظر : الاتحاف ٢ / ١٧٨ ، والحجة ٣٨٤ ، والنشر ٢ / ٣٠٢ ، والبحر ٥ / ٤٤٨ ، والوسيط ٣ / ٤٨ ، والدر المصون ٦ / ٣٠٢.
(٥) في ب : لخففت.