٣٢٧٠ ـ كأنّه كوكب في إثر عفرية |
|
مسوّم في سواد اللّيل منقضب (١) |
وسمّي الكوكب شهابا ؛ لأنّ بريقه يشبه النّار.
وقيل : شهاب شعلة من نار تبين لأهل الأرض ، فتحرقهم ولا تعود إذا أحرقتهم ، كما إذا أحرقت النار ، لم تعد ، بخلاف الكواكب فإنه إذا أحرق ، عاد إلى مكانه.
فصل
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : «إلّا من استرق السّمع» يريد الخطفة اليسيرة ، وذلك أن الشياطين يركب بعضهم بعضا إلى سماء الدنيا يسترقون السمع من الملائكة ، فيرمون من الكواكب ، فلا تخطىء أبدا ، فمنهم من يقتله ، ومنهم من يحرق وجهه وجنبه ويده حيث يشاء الله ، ومنهم من تخبله ؛ فيصير غولا ؛ فيقتل الناس في البراري (٢).
روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إذا قضى الله الأمر في السّماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنّه سلسلة على صنوان ، فإذا فزع عن قلوبهم ، قالوا : ما ذا قال ربّكم؟ قالوا : الّذي قال الحقّ وهو العليّ الكبير ، فيسمعها مسترق السّمع ، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض ، ووصف سفيان بكفّه فحرّقها وبدّد بين أصابعه ، فيسمع الكلمة ، فيلقيها إلى من تحته ثمّ يلقيها الآخر إلى من تحته ، حتّى يلقيها على لسان السّاحر ، والكاهن ، وربّما أدركه الشّهاب قبل أن يلقيها ، وربّما ألقاها قبل أن يدركه ، فيكذب معها مائة كذبة ، فيقال : أليس قد قال لنا اليوم كذا وكذا ، فيصدق بتلك الكلمة الّتي سمعت من السّماء» (٣).
وهذا لم يكن ظاهرا قبل أن يبعث صلىاللهعليهوسلم ولم يذكره شاعر من العرب قبل زمانه عليهالسلام وإنما ظهر في بدء أمره وكان ذلك أساسا لنبوته صلىاللهعليهوسلم. قال يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق : إنّ أول من قرع للرّمي بالنجوم ، هذا الحيّ من ثقيف ، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له : عمرو بن أميّة ، أحد بني علاج ، وكان أدهى العرب ، فقالوا له : ألم تر ما حدث في السماء من القذف بالنّجوم؟ قال : بلى فانظروا ، فإن كانت معالم النجوم التي يهتدي بها في البرّ ، والبحر ، ويعرف بها الأنواء من الصيف ، والشتاء ، لما يصلح الناس من معايشهم ، هي التي يرمى بها ، فهي ـ والله ـ طيّ الدنيا ، وهلاك الخلق الذين فيها ، وإن كان نجوما غيرها ، وهي ثابتة على حالها ، فهذا الأمر أراد الله لهذا الخلق.
قال معمر : قلت للزهريّ : أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؟ قال : نعم ، قال :
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٩.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٠ / ٩).
(٣) أخرجه البخاري (٨ / ٢٣١ ـ ٢٣٢) كتاب التفسير : باب إلّا من استرق السمع حديث (٤٧٠١).