أحدهما : أنه بدل من قوله «إلى النّور» بإعادة العامل ، ولا يضر الفصل بالجارّ ؛ لأنه من معمولات العامل في المبدل منه.
والثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنّه جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : إلى أيّ نور؟ فقيل: «إلى صراط» ، والمراد بالصّراط : الدّين والعزيز هو الغالب و «الحميد» المستحق للحمد.
وقدم ذكر العزيز على ذكر الحميد ؛ لأنّ أول العلم بالله العلم بكونه ـ تعالى ـ قادرا ، ثمّ بعد ذلك يعلم كونه عالما ، ثمّ بعد ذلك يعلم كونه غنيّا عن جميع الحاجات والعزيز هو القادر ، والحميد هو العالم الغنيّ ؛ فلذلك قدّم ذكر «العزير» على ذكر «الحميد».
قوله : (اللهِ الَّذِي) قرأ نافع (١) وابن عامر وأبو جعفر برفع الجلالة والباقون بالجر ورواها الأصمعي ، وكان يعقوب إذا وصل خفض.
وأما الرفع فعلى وجهين :
أحدهما : أنه مبتدأ خبره الموصول بعده ، أو محذوف ، تقديره : الله الذي له ما في السموات ، وما في الأرض العزيز الحميد ، حذف لدلالة ما تقدّم.
والثاني : أنّه خبر لمبتدأ مضمر ، أي : هو الله ، وذلك على المدح ، وأمّا الجرّ فعلى البدل عند أبي البقاء ، والحوفي ، وابن عطيّة والبيان عند الزمخشري قال : «لأنه جرى مجرى الأسماء لغلبته على المعبود بحقّ ، كالنّجم للثّريّا».
قال أبو حيان (٢) : «وهذا التعليل لا يتمّ إلّا أن يكون أصله «الإله» ثم فعل فيه ما تقدم أول الكتاب».
وقال ابن عصفور : «لا تقدّم صفة على موصوف إلّا حيث سمع» وهو قليل ، وللعرب فيه وجهان :
أحدهما : أن تتقدم الصفة بحالها ، وفيه إعرابان للنحويين :
أحدهما : أن يعرب صفة متقدمة.
والثاني : أن يجعل الموصوف بدلا من صفته.
والثاني ـ من الأولين ـ : أن تضيف الصفة إلى الموصوف ، فعلى هذا يجوز أن يعرب «العزيز الحميد» صفة متقدمة. ومن مجيء تقديم الصفة قوله : [البسيط]
٣١٨٩ ـ والمؤمن العائذات الطّير يمسحها |
|
ركبان مكّة بين الفيل والسّعد (٣) |
__________________
(١) ينظر الحجة ٥ / ٢٥ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٣٤ وحجة القراءات ٣٧٦ والإتحاف ٢ / ١٦٦ والمحرر الوجيز ٣ / ٣٢٢ والبحر المحيط ٥ / ٣٩٣ والدر المصون ٤ / ٢٥٠.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٩٣.
(٣) البيت للنابغة الذبياني. ينظر : ديوانه (١٥) ، شرح المفصل (٣ / ١١) ، المقرب (١ / ٢٢٧) ، البحر المحيط (٥ / ٣٩٣) ، روح المعاني (١٣ / ١٨٢) ، شواهد الكشاف (٣٨٠) ، شرح المعلقات العشر (٣٠٠) ، الدر المصون (٤ / ٢٥٠).