الشيء لانتفاء غيره ، والمعنى : أنه ـ تعالى ـ ما شاء هداية جميع الناس والمعتزلة تارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الإلجاء ، وتارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الهداية إلى طريق الجنة ، ومنهم من يجري الكلام على الظاهر ، ويقول : إنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس لأنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين فلا يكون مباينا لهداية جميع الناس ، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة مرارا.
قوله تعالى : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُ) الآية قيل : أراد جميع الكفار ؛ لأن الوقائع الشديدة [التي وقعت لبعض الكفار من القتل والسبي ، أوجب حصول الغم](١) في قلوب الكل.
وقيل : أراد بعض الكفار وهم جماعة معينون ، فتكون الألف واللام للعهد ، والمعنى لا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وأعمالهم القبيحة «قارعة» أي : نازلة وداهية تقرعهم من أنواع البلاء أحيانا بالجدب وأحيانا بالسلب وأحيانا بالقلب.
يقال : قرعه أمر إذا أصابه ، والجمع قوارع ، والأصل في القرع : الضرب أي : لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد ، أو من قتل أو أسر أو جدب أو غير ذلك من العذاب والبلاء كما نزل ـ يخاطب المستهزئين من رؤساء المشركين.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : أراد كفار قريش يصيبهم بما صنعوا برسول اللهصلىاللهعليهوسلم من العداوة والتكذيب بأن لا يزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم وتصيب من مواشيهم» (٢).
قوله «أو تحلّ» يجوز أن يكون فاعله ضمير الخطاب ، أي : تحل أنت يا محمد وأن يكون ضمير القارعة ، وهذا أبين ، أي : تصيبهم قارعة أو تحل القارعة ، وموضعها نصب عطف على خبر «يزال».
وقرأ ابن جبير (٣) ومجاهد : «أو يحلّ» بالياء من تحت ، والفاعل على ما تقدم إما ضمير القارعة ـ وإنما ذكر الفعل ؛ لأنها بمعنى العذاب ولأن التاء للمبالغة ، والمراد : قارع ـ وإما ضمير الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أتى به غائبا ، وقرأ أيضا (٤) : «من ديارهم» جمعا ، وهي واضحة.
المعنى : أو تحل القارعة أو أنت يا محمد ـ صلوات الله وسلامه عليك ـ بجيشك قريبا من دارهم كما حل بالحديبية (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) وهو فتح مكة ، وكان قد وعده ذلك. وقيل : يوم القيامة.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ٤٤).
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣١٣ ، والبحر المحيط ٥ / ٣٨٤ والدر المصون ٤ / ٢٤٤.
(٤) ينظر : المصادر السابقة.