بالفعل ، فلو كان العبد مستقلا بتحصيل الإيمان ، لكان قادرا على ردّ ما أراد الله ـ تعالى ـ من كفره ، وحينئذ يبطل قوله : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) ؛ فثبت أنّ الآية السابقة ، وإن أشعرت بمذهبهم إلا أن هذا من أقوى الدلائل على مذهبنا.
روى الضحاك عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : لم تغن المعقبات شيئا (١) وقال عطاء عنه : لا رادّ لعذابي ، ولا ناقض لحكمي : (وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) ، أي : ليس لهم من دون الله من يتولاهم ، ويمنع قضاء الله عنهم ، أي : ما لهم وال يتولّى أمرهم ، ويمنع العذاب عنهم(٢).
قوله : (وَإِذا أَرادَ اللهُ) «العامل في «إذا» محذوف لدلالة جوابها عليه تقديره : لم يرد أو وقع ، أو نحوهما ، ولا يعمل فيها جوابها ؛ لأنّ ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ(١٤) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ)(١٥)
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) الآية لما خوّف العباد بإنزال ما لا مرد له ، أتبعه بذكر هذه الآيات المشتملة على قدرة الله ـ تعالى ـ وحكمته ، وهي تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه ، وتشبه العذاب ، والقهر من بعض الوجوه.
قوله : «خوفا وطمعا» يجوز أن يكونا مصدرين ناصبهما محذوف ، أي : يخافون خوفا ، ويطمعون طمعا ، ويجوز أن يكونا مصدرين في موضع نصب على الحال ، وفي صاحب الحال حينئذ وجهان :
أحدهما : أنه مفعول : «يريكم» الأول ، أي : خائفين طامعين ، أي : تخافون صواعقه وتطمعون في مطره ، كما قال المتنبي : [الطويل]
٣١٧٠ ـ فتى كالسّحاب الجون يخشى ويرتجى |
|
يرجّى الحيا منها وتخشى الصّواعق (٣) |
والثاني : أنّه البرق ، أي : يريكموه حال كونه ذا خوف وطمع ، إذ هو في نفسه خوف وطمع على المبالغة ، والمعنى كما تقدّم.
ويجوز أن يكونا مفعولا من أجله ، ذكره أبو البقاء ، ومنعه الزمخشريّ لعدم اتّحاد
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ١٩).
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر البيت في ديوانه (٦٩) والعمدة ١ / ٣٨ والبحر ٥ / ٣٦٦ والكشاف ٢ / ٥١٨ والرازي ٣٧٣ والمحرر الوجيز ٩ / ٣٧٤ والدر المصون ٤ / ٣٣٤.