وقيل : المعنى أنهم إذا جحدوا كون القرآن معجزة لا تضيق قلبك بسببه ، و (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) ، أي ما عليك إلا الإنذار ، وأما الهدآية فليست إليك ، فإن : (لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) قادر على هدايتهم.
والمعنى : أنّ الهداية من الله.
فصل
قيل : المنذر ، والهادي شيء واحد ، والتقدير : إنّما أنت منذر (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) منذر على حدة ، ومعجزة كل واحد غير معجزة الآخر.
وقيل : المنذر محمد صلىاللهعليهوسلم والهادي : هو الله ـ تعالى ـ قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والضحاك (١).
وقال عكرمة : الهادي محمد صلىاللهعليهوسلم يقول : أنت منذر ، وأنت هاد لكل قوم ، أي : داع(٢). قوله تعالى : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)(١١)
قوله تعالى : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) الآية في النّظم وجوه :
أحدها : أنّ الكفار لما طلبوا آيات أخر غير ما أتى به الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بين أنّه ـ تعالى ـ عالم بجميع المعلومات ، فلو علم من حالهم أنهم إنما طلبوا الآية الأخرى للاسترشاد ، وطلب البيان أظهرها ، وما منعهم ، لكنه ـ تعالى ـ عالم أنهم لم يقولوا ذلك إلا لمحض العناد ؛ فلذلك منعهم ، ونظيره قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) [يونس : ٢٠] ، وقوله : (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) [العنكبوت : ٥٠].
وثانيها : أنه ـ تعالى ـ لما قال : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) في إنكار البعث بسبب أنّ أجزاء أبدان الحيوانات تتفرّق ، وتختلط بعضها ببعض ، ولا يتميّز ، فبين الله ـ تعالى ـ أنه
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٤٢) عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٨٦) عن ابن عباس وسعيد بن جبير وزاد نسبته إلى ابن مردويه عن ابن عباس وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٨) عن سعيد بن جبير.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٤٢) وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٨).