وسادسها : قال الكلبيّ : تخوّف ألّا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى(١).
وسابعها : أنّ مقصوده أن يعرفوا أنّه لم يطلب أخاهم ؛ لأجل الإيذاء والظلم ؛ وإلا لطلب زيادة في الثّمن.
وثامنها : أن يعرف أباه أنه أكرمهم ، وطلبهم بعد الإكرام ؛ فلا يثقل على أبيه إرسال أخيه.
وتاسعها : أراد أن يكون ذلك المال معونة لهم على شدّة الزمن وكان يخاف اللصوص من قطع الطّريق ، فوضع الدّراهم في رحالهم ؛ حتى تبقى مخفية إلى أن يصلوا إلى أبيهم.
وعاشرها : أنه قابل مبالغتهم في الإساءة مبالغة في الإحسان إليهم.
وقوله : (يَرْجِعُونَ) يحتمل أن يكون متعدّيا ، وحذف مفعوله ، أي : يرجعون البضاعة ؛ لأنه عرف من دينهم ذلك ، وأن يكون قاصرا بمعنى يرجعون إلينا.
قوله تعالى : (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) فيه قولان :
أحدهما : أنّهم لما طلبوا الطعام لأبيهم وللأخ الباقي عند أبيهم ، منعوا منه.
والثاني : أنه منع الكيل في المستقبل ، وهو قول يوسف : (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) ، قال الحسن ـ رحمهالله ـ : معناه : يمنع منّا الكيل إن لم نحمل أخانا معنا ، وهذا أولى ؛ لأنه لم يمنعهم الكيل ؛ بل اكتال لهم ، وجهّزهم ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) ، والمراد بالكيل : الطعام ؛ لأنه يكال.
قوله «نكتل» قرأ الأخوان (٢) : بالياء من تحت ، أي : يكيل أخونا.
والباقون بالنون ، أي : نكيل نحن ، وهو الطعام ، وهو مجزوم على جواب الأمر.
ويحكى أنّه جرى بحضرة المتوكّل ، أو وزيره ابن الزّيات : بين المازنيّ ، وابن السّكيت مسألة ، وهي : ما وزن «نكتل»؟ فقال يعقوب : نفتل ، فسخر به المازني وقال : إنّما وزنها نفتعل (٣).
قال شهاب الدّين (٤) ـ رحمهالله ـ : «وهذا ليس بخطأ ؛ لأنّ التّصريفيين نصّوا على أنّه إذا كان في الكلمة حذف أو قلب حذفت في الزنة ، وقلبت ، فتقول في وزن : قمت ،
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٣٥) ، والرازي (١٨ / ١٣٤).
(٢) ينظر : السبعة ٣٤٩ ، ٣٥٠ والحجة ٤ / ٤٣٢ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣١٣ وحجة القراءات ٣٦١ والإتحاف ٢ / ١٥٠ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٥٩ والبحر المحيط ٥ / ٣٢٠ والدر المصون ٤ / ١٩٤.
(٣) ينظر : هذه القصة في اللسان (كيل) ، وروح المعاني ١٣ / ١١.
(٤) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٩٤.