قوله : (رَأْيَ الْعَيْنِ) في انتصابه ثلاثة أوجه ، تقدم منها اثنان النصب على المصدر التوكيدي ، أو النصب على المصدر التشبيهيّ.
الثالث : أنه منصوب على ظرف المكان ، قال الواحديّ : «.. كما تقول : ترونهم أمامكم ، ومثله هو مني مزجر الكلب ، ومناط [العنق](١) ، وهذا إخراج للفظ عن موضوعه ـ مع عدم المساعد ـ معنى أو صناعة.
و «رأى» مشترك بين «رأى» معنى أبصر ، ومصدره : الرّأي ، والرؤية ، وبمعنى اعتقد وله الرأي وبمعنى الحلم ، وله الرؤيا كالدنيا ، فوقع الفرق بالمصدر ، فالرؤية للبصر خاصة ، والرؤيا للحلم فقط ، والرأي مشترك بين البصرية والاعتقادية ، يقال : هذا رأي فلان ، أي : اعتقاده.
قال : [الطويل]
١٣٥٧ ـ رأى النّاس ـ إلّا من رأى مثل رأيه |
|
خوارج ترّاكين قصد المخارج |
قوله : (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) التأييد : تفعيل ، من الأية ، وهو القوّة ، والباء سببية أي : سبب تأييده ، ومفعول «يشاء» محذوف ، أي : من يشاء تأييده (٢).
وقرأ ورش (٣) «يويّد» ، بإبدال الهمزة واوا محضة ، وهو تسهيل قياسيّ ؛ قال أبو البقاء وغيره : «ولا يجوز أن يجعل بين بين ؛ لقربها من الألف ، والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، ولذلك لم تجعل الهمزة المبدوء بها بين بين لاستحالة الابتداء بالألف».
وهو مذهب سيبويه في الهمزة المفتوحة بعد كسرة قلبها ياء محضة ، وبعد الضمة قلبها واوا محضة للعلة المذكورة وهي قرب الهمزة التي بين بين من الألف ، والألف لا تكون ضمة ولا كسرة.
و «عبرة» : فعلة ـ من العبور كالركبة وكالجلسة ، والعبور : التجاوز ، ومنه عبرت النهر ، والمعبر السفينة ؛ لأن بها يعبر إلى الجانب الآخر ، وعبرة العين : دمعها ؛ لأنها تجاوزها ، وعبّر بالعبرة عن الاتعاظ والاستيقاظ ؛ لأن المتّعظ يعبر من الجهل إلى العلم ، ومن الهلاك إلى النجاة ، والاعتبار : افتعال منه ، والعبارة : الكلام الموصل إلى الغرض ، لأن فيه مجاوزة ، وعبرت الرؤيا وعبّرتها ، ـ مخفّفا ومثقلا ـ لأنك نقلت ما عندك من تأويلها إلى رائيها.
و «لأولي أبصار» صفة ل «عبرة» ، أي : عبرة كائنة لأولي الأبصار ـ لذوي العقول يقال : لفلان بصر بهذا الأمر.
__________________
(١) في أ : العيوق.
(٢) ينظر الدرر ٢ / ٢٤٩ ، ٥ / ٢٧٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥ ، ٢ / ٩٧ ، والدر المصون ٢ / ٣٠.
(٣) ينظر الكشف ١ / ١٠٤ ، وإتحاف ١ / ٤٧٠ ، والدر المصون ٢ / ٣١.