وقال أبو شامة ـ بعد ذكر هذا المعنى وتقويته ـ : فالهاء في «يرونهم» للكفار ، سواء قرىء بالغيبة أم بالخطاب ، والهاء في «مثليهم» للمسلمين.
فإن قلت : إن كان المراد هذا فهلّا قيل : يرونهم ثلاثة أمثالهم ، فكان أبلغ في الآية ، وهي نصر القليل على هذا الكثير ، والعدة كانت كذلك أو أكثر؟
قلت : أخبر عن الواقع ، وكان آية أخرى مضمومة إلى آية البصر ، وهي تقليل الكفار في أعين المسلمين وقللوا إلى حد وعد المسلمون النصر عليهم فيه ، وهو أن الواحد من المسلمين يغلب الاثنين ، فلم تكن حاجة إلى التقليل بأكثر من هذا ، وفيه فائدة وقوع ما ضمن لهم من النصر فيه انتهى.
قال شهاب الدين (١) : «وإلى هذا المعنى ذهب الفراء (٢) ، أعني أنهم يرونهم ثلاثة أمثالهم فإنه قال : مثليهم : ثلاثة أمثالهم ، كقول القائل : عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها».
وغلطه أبو إسحاق ـ في هذا ـ وقال : مثل الشيء : ما ساواه ، ومثلاه [ما ساواه](٣) مرتين. قال ابن كيسان : الذي أوقع الفراء في ذلك أن الكفار كانوا ـ يوم بدر ـ ثلاثة أمثال المؤمنين فتوهّم أنه لا يجوز أن يروهم إلا على عدتهم ، والمعنى ليس عليه ، وإنما أراهم الله على غير عدتهم لجهتين :
إحداهما : أنه رأى الصلاح في ذلك ؛ لأن المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك.
والأخرى : أنه آية للنبي صلىاللهعليهوسلم.
والجملة ـ على قراءة نافع ـ يحتمل أن تكون مستأنفة ، لا محل لها من الإعراب ، ويحتمل أن يكون لها محل ، وفيه ـ حينئذ ـ وجهان :
أحدهما : النصب على الحال من الكاف في «لكم» أي : قد كان لكم حال كونكم ترونهم.
والثاني : الجر ؛ نعتا ل «فئتين» ؛ لأن فيها ضميرا يرجع عليهما ، قاله أبو البقاء وأما على قراءة الغيبة فيحتمل الاستئناف ، ويحتمل الرفع ؛ صفة لإحدى الفئتين ، ويحتمل الجر ؛ صفة ل «فئتين» أيضا ، على أن تكون الواو في «يرونهم» ترجع (٤) إلى اليهود ؛ لأن في الجملة ضميرا يعود على الفئتين.
وقرأ ابن عباس وطلحة «ترونهم» (٥) ـ مبنيا للمفعول على الخطاب ـ والسّلميّ كذلك إلا أنه بالغيبة وهما واضحتان مما تقدم تقريره والفاعل المحذوف هو الله تعالى والرؤية ـ هنا ـ فيها رأيان :
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٩.
(٢) ينظر : معاني القرآن ١ / ١٩٥.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : راجع.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٤١١ ، والدر المصون ٢ / ٣٠ ، والقرطبي ٤ / ١٩.