الأول : أنه لما ذكر أنه لا يريد الظلم والقبائح ، استدل عليه بأن فاعل القبيح ، إنما يفعل القبيح إما للجهل ، أو للعجز ، أو للحاجة ، وكل ذلك ـ على الله ـ محال ؛ لأنه مالك لكل ما في السموات وما في الأرض وهذه المالكية تنافي العجز والجهل والحاجة ، فامتنع كونه فاعلا للقبيح.
الثاني : أنه لما ذكر أنه لا يريد الظلم بوجه من الوجوه ، كان لقائل أن يقول : إنا نشاهد وجود الظلم في العالم ، فإذا لم يكن وقوعه بإرادة الله ـ تعالى ـ كان على خلاف إرادته ، فيلزم منه كونه ضعيفا عاجزا مغلوبا ، وذلك محال.
فأجاب الله ـ تعالى ـ بقوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي : أنه تعالى قادر على أن يمنع الظلم عن الظالم ـ على سبيل الإلجاء والقهر ـ وإذا كان قادرا على ذلك لا يكون عاجزا ، ضعيفا ؛ إلا أنه ـ تعالى ـ أراد منهم ترك المعصية ـ اختيارا ـ ليستحقوا الثواب ، فلو قهرهم على الترك لبطلت هذه الفائدة.
وأجيب بأن المراد من الآية أنه ـ تعالى ـ لا يريد أن يظلم أحدا من عباده.
وقوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يدل على كونه خالقا لأفعال العباد ؛ لأن أفعال العباد من جملة ما في السموات وما في الأرض.
وأجاب الجبائي : بأن قوله : «ولله» إضافة ملك ، لا إضافة فعل ، ألا ترى أنه يقال : هذا البناء لفلان. ويريدون أنه مملوكه ، لا أنه مفعوله ، وأيضا فالمقصود من الآية تعظيم الله ـ تعالى ـ لنفسه ، وتمدّحه لإلهية نفسه ، ولا يجوز أن يتمدح بأن ينسب إلى نفسه الأفعال القبيحة ، وأيضا فقوله : (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ،) إنّما يتناول ما كان مظروفا في السموات والأرض ، وذلك من صفات الأجسام ، لا من صفات الأفعال التي هي أعراض.
وأجيب بأن هذه إضافة الفعل ؛ لأن القادر على الحسن والقبيح ، لا يرجح الحسن على القبيح إذا حصل في قلبه ما يدعوه إلى الفعل الحسن ، وتلك الداعية حاصلة بتخليق الله ـ تعالى ـ دفعا للتسلسل ، ولمّا كان المؤثّر في حصول فعل العبد هي مجموع القدرة والداعية بخلق الله ـ تعالى ـ ثبت أن فعل العبد مخلوق لله تعالى.
وقوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) المراد منه رجوع الخلق إلى حكمه وقضائه ، لا لحكم غيره.
قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ)(١١٠)
في «كان» هذه ـ ستة أقوال :