قال الأزهريّ : «يقال : أنقذته ، ونقذته ، واستنقذته ، وتنقّذته بمعنى ويقال : فرس نقيذ ، إذا كان مأخوذا من قوم آخرين ؛ لأنه استنقذ منهم».
والحفرة : فعلة بمعنى : مفعولة ، كغرفة بمعنى : مغروفة.
فصل
قيل معناه : إنكم كنتم مشرفين على جهنم بكفركم ؛ لأن جهنم مشبهة بالحفرة التي فيها النار ، فجعل استحقاقهم النار بكفرهم ، كالإشراف منهم على النار ، والمصير منهم إلى حرفها ، فبيّن ـ تعالى ـ أنه أنقذهم من هذه الحفرة ، بعد أن قربوا من الوقوع فيها.
قالت المعتزلة : ومعنى ذلك أن الله ـ تعالى ـ لطف بهم بالرسول صلىاللهعليهوسلم وسائر ألطافه حتى آمنوا.
وقال أهل السنة : جميع الألطاف مشترك بين المؤمن والكافر ، فلو كان فاعل الإيمان وموجده هو العبد لكان العبد هو الذي أنقذ نفسه من النار ، والله ـ تعالى ـ حكم بأنه هو الذي أنقذهم من النار ، فدل هذا على أنه خالق أفعال العباد.
قوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ) نعت لمصدر محذوف ، أو حال من ضميره ، أي : يبين الله لكم تبيينا مثل تبيينه لكم الآيات الواضحة ، لكي تهتدوا بها.
قال الجبائي : «الآية تدل على أنه ـ تعالى ـ يريد منهم الاهتداء».
قال الواحدي : إن المعنى : لتكونوا على رجاء هدايته. وهذا فيه ضعف ؛ لأن على هذا التقدير يلزم أن يريد الله منهم ذلك الرجاء ، وعلى مذهبنا قد لا يريده.
وأجاب غيره بأن كلمة «لعلّ» للترجي ، والمعنى : أنا فعلنا فعلا يشبه فعل من يترجى ذلك.
قوله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) اعلم أنه ـ تعالى ـ لما عاب على أهل الكتاب كفرهم وسعيهم في تكفير الغير خاطب المؤمنين بتقوى الله والإيمان به ، فقال : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) ثم أمرهم بالسعي في إلقاء الغير في الإيمان والطاعة ، فقال : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ) يجوز أن تكون التامة ، أي : ولتوجد منكم أمة ، فتكون «أمّة» : فاعلا ، و «يدعون» : جملة في محل رفع صفة ل «أمة» ، و «منكم» متعلق ب «تكن» على أنها تبعيضية.
ويجوز أن يكون : «منكم» متعلّقا بمحذوف على أنه حال من «أمّة» إذ كان يجوز جعله صفة لها لو تأخر عنها. ويجوز أن تكون «من» للبيان ؛ لأن المبيّن ـ وإن تأخر لفظا ـ فهو متقدم رتبة.
ويجوز أن تكون الناقصة ، ف «أمة» اسمها ، و «يدعون» خبرها ، و «منكم» متعلق إمّا بالكون ، وإمّا بمحذوف على الحال من «أمة».