فلعمري لقد جئنا لغير هذا ، فصمت إياس ، وقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنهم ثم انصرفوا إلى «المدينة» ، فكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك فلما أراد الله ـ عزوجل ـ إظهار دينه ، وإعزاز نبيه ، خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار ، يعرض نفسه على قبائل العرب ـ كما كان يصنع في كل موسم ـ فلقي عند العقبة رهطا من الخزرج ـ أراد الله بهم خيرا ـ وهم أسعد بن زرارة ، وعوف ابن الحارث ـ وهو ابن عفراء ـ ورافع بن مالك العجلاني وقطبة بن عامر بن خريدة ، وعقبة بن عامر ، وجابر بن عبد الله ، فقال لهم رسول صلىاللهعليهوسلم من أنتم؟ قالوا : نفر من الخزرج فقال : أمن موالي يهود؟ قالوا : نعم ، قال أفلا تجلسوا حتّى أكلّمكم؟ قالوا : بلى ، فجلسوا معه ، فدعاهم إلى الله ، وعرض عليهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ، وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام أنّ يهود كانوا معهم ببلادهم ، وكانوا أهل كتاب وعلم ، وهم كانوا أهل أوثان وشرك ، وكانوا ـ إذا كان بينهم شيء ـ يقولون : إن نبيّا الآن مبعوثا قد أظلّ زمانه نتبعه ، ونقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فلما كلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أولئك النفر ، ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض : يا قوم ، تعلمون ـ والله ـ أنه النبي الذي توعّدكم به اليهود ، فلا تسبقنكم إليه ، فأجابوه وصدقوه ، وأسلموا ، وقالوا : إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم ، وعسى الله أن يجمعهم بك ، وسنقدم عليهم ، وندعوهم إلى أمرك ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك ، ثم انصرفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم راجعين إلى بلادهم ـ قد آمنوا ـ فلما قدموا «المدينة» ذكروا لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم ، فلم تبق دار من الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا : أسعد بن زرارة ، وعوف ومعاذ ـ ابنا عفراء ، ورافع بن مالك بن العجلاني ، وذكوان بن عبد
__________________
ـ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وذكر قومه أنه مات مسلما ، وقال ابن إسحاق في المغازي حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن لبيد قال : لما قدم أبو الحيس (الحيسر) أنس بن رافع مكة ، ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج سمع بهم رسول الله صلى الله وآله وسلم ، فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم : هل لكم إلى خير مما جئتم له ، قالوا : وما ذاك ، قال : أنا رسول الله ، بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن ، فقال إياس بن معاذ : يا قوم ، هذا والله خير مما جئتم له فأخذ أبو الحيس (الحيسر) حفنة من البطحاء ، فضرب وجهه بها وقال : دعنا منك ، فلعمري لقد جئنا لغير هذا فسكت وقام وانصرفوا ، فكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك قال محمود بن لبيد : فأخبرني من حضره من قومه أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه فكانوا لا يشكون أنه مات مسلما رواه جماعة عن ابن إسحاق هكذا ، وهو من صحيح حديثه لكن رواه زياد البكائي عن ابن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن بن عمرو بدل الحصين والأول أرجح أشار إلى ذلك البخاري في تاريخه. ينظر الإصابة ١ / ٩٢ ـ ٩٣.