وفي العبارة ـ بالنسبة إلى القرآن ـ سوء أدب ، ولكنهم لم يقصدوا ذلك.
وكان تنظير الزمخشري بغير ذلك أولى ، كقوله : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [الحديد : ١٨].
إذ هو في قوة : إن الذين تصدقوا وأقرضوا.
وقال الواحدي : «عطف الفعل على المصدر ؛ لأنه أراد بالمصدر الفعل ، تقديره : كفروا بالله بعد أن آمنوا ، فهو عطف على المعنى ، كقوله : [الوافر]
١٥٣٥ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (١) |
معناه : لأن ألبس عباءة وتقرّ عيني».
وظاهر عبارة الزمخشري والواحدي أن الأول مؤوّل لأجل الثاني ، وهذا ليس بظاهر ؛ لأنا إنما نحتاج إلى ذلك لكون الموضع يطلب فعلا ، كقوله : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ) لأن الموصول يطلب جملة فعلية ، فاحتجنا أن نتأول اسم الفاعل بفعله ، وعطفنا عليه و «أقرضوا» وأما «بعد إيمانهم» وقوله : «للبس عباءة» ، فليس الاسم محتاجا إلى فعل ، فالذي ينبغي هو أن نتأوّل الثاني باسم ؛ ليصحّ عطفه على الاسم الصريح قبله ، وتأويله بأن تأتي معه ب «أن» المصدريّة مقدّرة ، تقديره : بعد إيمانهم وأن شهدوا أي وشهادتهم ، ولهذا تأول النحويون قوله : للبس عباءة وتقرّ : وأن تقرّ ، إذ التقدير : وقرة عيني ، وإلى هذا ذهب أبو البقاء ، فقال : «التقدير : بعد أن آمنوا وأن شهدوا ، فيكون في موضع جر ، يعني أنه على تأويل مصدر معطوف على المصدر الصحيح المجرور بالظرف».
وكلام الجرجاني فيه ما يشهد لهذا ، ويشهد لتقدير الزمخشريّ ؛ فإنه قال : قوله : «وشهدوا» منسوق على ما يمكن في التقدير ، وذلك أن قوله : «بعد إيمانهم» يمكن أن يكون : بعد أن آمنوا ، و «أن» الخفيفة مع الفعل بمنزلة المصدر ، كقوله : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٤] ، أي : والصوم.
ومثله مما حمل فيه على المعنى قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ) [الشورى : ٥١] فهو عطف على قوله : «إلا وحيا» ويمكن فيه : إلّا أن يوحي إليه ، فلما كان قوله : «إلا وحيا» بمعنى : إلا أن يوحي إليه ، حمله على ذلك.
ومثله من الشعر : [الطويل]
١٥٣٦ ـ فظلّ طهاة اللّحم من بين منضج |
|
صفيف شواء أو قدير معجّل (٢) |
__________________
(١) تقدم برقم ٧٦٢.
(٢) البيت لامرىء القيس ينظر ديوانه ص ٢٢ ، وجمهرة اللغة ص ٩٢٩ ، وجواهر الأدب ص ٢١١ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٧ ، ٢٤٠ ، والدرر ٦ / ١٦١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٥٧ ، وشرح عمدة ـ