إماتتهم ، وإيصال الآلام إليهم ومعلوم أن شفقة الإنسان على أولاده ، وأهله شديدة جدا ، وربّما جعل الإنسان نفسه فداء لهم وإذا كان كذلك فهو ـ عليهالسلام ـ أحضر صبيانه ونساءه معه ، وأمرهم بأن يفعلوا مثل ذلك ، ليكون ذلك أبلغ للزجر ، وأقوى في تخويف الخصم ، وأدل على وثوقه صلىاللهعليهوسلم بأن الحقّ معه.
السؤال الثاني : أليس أن بعض الكفار استعمل المباهلة مع نبيه صلىاللهعليهوسلم حيث قالوا : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] ثم إنه لم ينزل بهم عذاب ألبتة ـ فكذا هاهنا ـ وأيضا فبتقدير نزول العذاب يكون ذلك مناقضا لقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣].
الجواب : أن الخاص مقدّم على العام ، فلما أخبر ـ عليهالسلام ـ بنزول العذاب في هذه القصة على التعيين ، وجب أن تعتقد أن الأمر كذلك.
فصل
دلت هذه الواقعة على صحة نبوته ـ عليهالسلام ـ من وجهين :
أحدهما : أنه ـ عليهالسلام ـ خوفهم بنزول العذاب ، ولو لم يكن واثقا بذلك لكان ذلك منه سعيا في إظهار كذب نفسه ؛ لأن بتقدير أن يرغبوا في مباهلته ، ثم لا ينزل العذاب ، فحينئذ يظهر كذبه ، فلما أصرّ على ذلك علمنا أنه إنما أصرّ عليه ؛ لكونه واثقا بنزول العذاب عليهم.
وثانيهما : أن القوم ـ لما تركوا مباهلته ـ لولا أنهم عرفوا من التوراة والإنجيل ما يدل على نبوته لما أحجموا عن مباهلته.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنهم كانوا شاكّين ، فتركوا مباهلته ؛ خوفا من أن يكون صادقا ، فينزل بهم ما ذكر من العذاب؟
فالجواب : أن هذا مدفوع من وجهين :
الأول : أن القوم كانوا يبذلون النفوس والأموال في المنازعة مع الرسول صلىاللهعليهوسلم ولو كانوا شاكّين لما فعلوا ذلك.
الثاني : أنه قد نقل عن أولئك النصارى أنهم قالوا : إنه والله هو النبي المبشّر به في التوراة والإنجيل وإنكم لو باهلتموه لحصل الاستئصال ، فكان تصريحا منهم بأن الامتناع من المباهلة كان لأجل علمهم بأنه نبي مرسل من عند الله تعالى.
فصل
قال ابن الخطيب : كان في الرّيّ رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصيّ ، وكان معلم الاثني عشرية ، وكان يزعم أن عليّا ـ رضي الله عنه ـ أفضل من جميع الأنبياء ـ