يدعون استخراج الجنيّ لا يمكنهم ذلك إلا عن تقدم سؤال يستعينون عند ذلك بآلة ، ويتوصّلون بها إلى معرفة أحوال الكواكب ، ثم يعترفون بأنهم يغلطون كثيرا ، فأما الإخبار عن الغيب من غير استعانة بآلة ولا تقدم مسألة فلا يكون إلا بوحي من الله تعالى.
قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ) إشارة إلى جميع ما تقدم من الخوارق ، وأشير إليها بلفظ الإفراد ـ وإن كانت جمعا في المعنى ـ بتأويل ما ذكر.
وقد تقدم أن مصحف عبد الله وقراءته «لآيات» ـ بالجمع ؛ مراعاة لما ذكرنا من معنى الجمع ، وهذه الجملة يحتمل أن تكون من كلام عيسى ، وأن تكون من كلام الله تعالى.
قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) جوابه محذوف ، أي : إن كنتم مؤمنين انتفعتم بهذه الآية ، وتدبّرتموها. وقدر بعضهم صفة محذوفة ل «آية» أي : لآية نافعة. قال أبو حيّان : «حتى يتّجه التعلّق بهذا الشرط» وفيه نظر ؛ إذ يصحّ التعلّق بالشرط دون تقدير هذه الصفة.
قوله : (مُصَدِّقاً) نسق على محل بآية ، لأن محل «بآية» في محل نصب على الحال ؛ إذ التقدير وجئتكم متلبسا بآية ومصدقا.
وقال الفراء والزّجّاج : نصب «مصدّقا» على الحال ، المعنى : وجئتكم مصدّقا لما بين يديّ ، وجاز إضمار «جئتكم» ، لدلالة أول الكلام عليه ـ وهو قوله : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ـ ومثله في الكلام : جئته بما يحبّ ومكرما له.
قال الفراء : «ولا يجوز أن يكون «مصدّقا» معطوفا على «وجيها» ؛ لأنه لو كان كذلك لقال : أو مصدقا لما بين يديه ، يعني : أنه لو كان معطوفا عليه ؛ لأتى معه بضمير الغيبة ، لا بضمير التكلّم». وذكر غير الفرّاء ، ومنع ـ أيضا ـ أن يكون منسوقا على «رسولا» قال : لأنه لو كان مردودا عليه لقال : ومصدقا لما بين يديك ؛ لأنه خاطب بذلك مريم ، أو قال : بين يديه.
يعني أنه لو كان معطوفا على «رسولا» لكان ينبغي أن يؤتى بضمير الخطاب ؛ مراعاة لمريم ، أو بضمير الخطاب مراعاة للاسم الظاهر.
قال أبو حيّان : وقد ذكرنا أنه يجوز في «رسولا» أن يكون منصوبا بإضمار فعل ـ أي : وأرسلت رسولا ـ فعلى هذا التقدير يكون «مصدّقا» معطوفا على «رسولا».
قوله : (مِنَ التَّوْراةِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه حال من «ما» الموصولة ، أي : الذي بين يدي حال كونه من التوراة ، فالعامل فيه مصدقا لأنه عامل في صاحب الحال.
الثاني : أنه حال من الضمير المستتر في الظرف الواقع صلة. والعامل فيه الاستقرار المضمر في الظرف أو نفس الظرف ؛ لقيامه مقام الفعل.