الثاني : أنها بدل من «بآية» فيكون محلّها الجرّ ، أي : وجئتكم بأني أخلق لكم ، وهذا نفسه آية من الآيات.
وهذا البدل يحتمل أن يكون كلّا من كلّ ـ إن أريد بالآية شيء خاصّ ـ وأن يكون بدل بعض من كل إن أريد بالآية الجنس.
الثالث : أنها خبر مبتدأ مضمر ، تقديره : هي أني أخلق ، أي : الآية التي جئت بها أني أخلق وهذه الجملة ـ في الحقيقة ـ جواب لسؤال مقدر ، كأن قائلا قال : وما الآية؟ فقال ذلك.
الرابع : أن تكون منصوبة بإضمار فعل ، وهو ـ أيضا ـ جواب لذلك السؤال ، كأنه قال: أعني أني أخلق.
وهذان الوجهان يلاقيان ـ في المعنى ـ قراءة نافع ـ على بعض الوجوه ـ فإنهما استئناف.
قوله : (أَخْلُقُ لَكُمْ) أقدّر لكم وأصوّر ، وقد تقدم في قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) [البقرة : ٢١] أن الخلق هو التقدير ، ويدل عليه وجوه :
أحدها : قوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] أي : المقدّرين ، وقد ثبت أن العبد لا يكون خالقا بمعنى التكوين والإبداع ، فوجب أن يكون بالتقدير والتسوية.
وثانيها : أن لفظ الخلق : يطلق على الكذب ، قال تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ١٣٧] وقال : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [العنكبوت : ١٧] وقال : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) [ص : ٧]. والكاذب إنما سمّي خالقا ، لأنه يقدّر الكذب في خاطره ويصوّره.
وثالثها : هذه الآية.
ورابعها : قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) [البقرة : ٢٩] إشارة إلى الماضي ، فلو حملنا قوله : «خلق» على الإيجاد والإبداع لكان المعنى : أن كل ما في الأرض الآن فهو ـ تعالى ـ كان قد أوجده في الزمان الماضي ، وذلك باطل ، فوجب حمل الخلق على التقدير ـ حتى يصحّ الكلام ـ وهو أنه ـ تعالى ـ قدّر في الماضي كلّ ما وجد الآن في الأرض.
وخامسها : قول الشاعر : [الكامل]
١٤٧٤ ـ ولأنت تفري ما خلقت وبع |
|
ض القوم يخلق ثمّ لا يفري (١) |
وقال الآخر : [البسيط]
__________________
(١) تقدم برقم ٢٧٥.