وقال ابن عطية : «هي حال مؤكدة بحسب حال هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام». و «بكلمة» متعلق ب «مصدّقا».
وقرأ أبو السّمال (١) «بكلمة» ـ بكسر الكاف وسكون اللام ـ وهي لغة صحيحة ؛ وذلك أنه أتبع الفاء للعين في حركتها ، فالتقى بذلك كسرتان ، فحذف الثانية ؛ لأجل الاستثقال.
فصل
قيل : المراد بها الجمع ؛ إذ المقصود التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله تعالى المنزّلة فعبّر عن الجمع ببعضه ، ومثل هذا قول النبي صلىاللهعليهوسلم : أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد حيث قال : [الطويل]
١٤٣٤ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل |
|
..........(٢) |
وذكر جابر ـ رضي الله عنه ـ الحويدرة فقال : لعن الله كلمته ـ يعني قصيدته.
وقال الجمهور : الكلمة : هي عيسى عليهالسلام.
قال السديّ : لقيت أمّ عيسى ، أمّ يحيى ـ وهذه حامل بعيسى ، وتلك حامل بيحيى ـ فقالت أم يحيى : أشعرت أني حبلى؟ فقالت مريم : وأنا ـ أيضا ـ حبلى ، قالت امرأة زكريا : فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك ، فذلك قوله (٣) : (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ).
قال القرطبيّ : «روي أنها أحسّت بجنينها يخرّ برأسه إلى ناحية بطن مريم».
وقال ابن عبّاس : إن يحيى كان أكبر سنّا من عيسى بستة أشهر (٤).
وقيل : بثلاث سنين ، وكان يحيى أول من آمن به وصدق بأنه كلمة الله وروحه.
وسمي عيسى عليهالسلام كلمة. قيل : لأنه خلق بكلمة من الله (كُنْ فَيَكُونُ) من غير واسطة أب فسمي لهذا كلمة ـ كما يسمى المخلوق خلقا ، والمقدور قدرة ، والمرجوّ رجاء ، والمشتهى شهوة ـ وهو باب مشهور في اللغة.
وقيل : هو بشارة الله مريم بعيسى ـ بكلامه على لسان جبريل عليهالسلام.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٤٦٦ ، والدر المصون ٢ / ٨٤.
(٢) أخرجه البخاري ٧ / ١٨٣ في مناقب الأنصار ، باب أيام الجاهلية (٣٨٤١) ، ومسلم ٤ / ١٧٦٨ في الشعر ، في أوله (٣ ـ ٢٢٥٦) من حديث أبي هريرة. وقد تقدم تخريج البيت برقم ٤١٠.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٧٣) عن ابن عباس ومجاهد والسدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٨).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٧٣) عن ابن عباس.