والإقرار بما جاء من عند الله ، وهو دين الله الذي شرع لنفسه ، وبعث به رسله ودلّ عليه أولياءه ، لا يقبل غيره ، ولا يجزي إلا به (١).
روى غالب القطان ، قال : أتيت الكوفة في تجارة ، فنزلت قريبا من الأعمش ، فكنت أختلف إليه ، فلما كنت ذات ليلة ، أردت أن أنحدر إلى البصرة ، قام من الليل يتهجد ، فمرّ بهذه الآية : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي ـ عند الله ـ وديعة ، (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ـ قالها مرارا.
قلت : لقد سمع فيها شيئا ، فصليت معه ، وودعته ، ثم قلت : إني سمعتك تردّدها ، فما بلغك؟ قال : والله لا أحدثك بها إلى سنة ، فكتبت على بابه ذلك اليوم ، وأقمت سنة ، فلمّا مضت السنة ، قلت : يا أبا محمد ، قد مضت السنة ، فقال : حدّثني من حدثني عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يجاء بصاحبها يوم القيامة ، فيقول الله تعالى : إنّ لعبدي هذا ـ عندي ـ عهدا ، وأنا أحقّ من وفى بالعهد ، أدخلوا عبدي الجنة» (٢).
قوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).
قال الكلبي : نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام ، أي : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم إلّا من بعد ما جاءهم العلم ، يعني بيان نعته في كتبهم.
وقال الربيع : إن موسى ـ عليهالسلام ـ لما حضره الموت دعا سبعين رجلا من أحبار بني إسرائيل ، فاستودعهم التوراة ، واستخلف يوشع بن نون ، فلما مضى القرن الأول ، والثاني ، والثالث ، وقعت الفرقة بينهم ، ـ وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء أولئك السبعين ـ حتى أهرقوا بينهم الدماء ، ووقع الشّرّ والاختلاف (٣) ، وذلك (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) يعني بيان ما في التوراة ، (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي : طلبا للملك والرياسة ، فسلط الله عليهم الجبابرة.
قال محمد بن جعفر بن الزبير : نزلت في نصارى نجران (٤) ، معناها : (وَمَا اخْتَلَفَ
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٧٥) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٢) وزاد نسبته لعبد بن حميد.
(٢) أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١ / ٩٩) وابن عدي (٥ / ١٦٩٤) والبغوي (١ / ٣٣٠) وذكره القرطبي في تفسيره (٤ / ٤٢).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨) عن الربيع.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٧٨) عن محمد بن جعفر بن الزبير ورواه ابن هشام في «السيرة النبوية (٢ / ٢٢٧) عن ابن إسحاق وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٢) وعزاه لابن جرير وحده.