(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٣٦).
نسبة الإضلال الى الأصنام وهي لا تعقل لأنها مادة الضلال ، وهو بين زوايا ثلاث ثانيتها المضلّل نفسه حيث يتقبل الضلال ، وثالثتها المضلل حيث يدعو الى الضلال ، فيصح نسبة الإضلال إلى كل واحدة منها كما إليها كلّها ، وقد ينسب الى الله حين لا يمنع عن الضلال تسييرا ام توفيقا (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) فلو لا مادة الضلال لم يكن هنالك دور لضال ولا لإضلال ، ولو لا تقبّل للضلال فلا دور للآخرين ، كما لو لا المضلّل فلا دور لمادة الضلال وتقبّله اللهم إلا قليلا في هذا الأخير.
كما ان الله لو منع أيا من هذه الثلاث لم يوجد هناك ضلال ، فنسبة المضل الى ايّ من هذه الثلاث وحتى الى الله ، صالحة ، بفارق انه من الله عدل ، ومن المضلّل والمضلّل ظلم ، وفي مادة الضلال كالأصنام لا عدل ولا ظلم الا إذا كان هو المضلّل نفسه ، فمادة الضلال «الأصنام» تضل ، كما الضال يضل نفسه بتقبل الضلال ، والمضلّل يضلله بدعايته ، والله يضله بعد ما ضل حيث يتقبل ، وعند ما ضل حيث لا يحول بينهما.
ثم (فَمَنْ تَبِعَنِي) يعم اتباعه في اصل التوحيد وسائر الشرعة الإلهية عقيدية وعلمية وتطبيقية ، مهما كان متابعوه في مثلثة المنازل ، ممن هو فوقه كالرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ام مثله كسائر اولي العزم ، ام دونه كسائر النبيين والمرسلين وسائر المؤمنين ، وهم كلهم اولى الناس به : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٣ : ٦٨) فقد يعني (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) أمثاله في ولاية العزم ، ام اصحاب المنازل الثلاث كلهم تعميما قبل تخصيص ، وعلّه اولى ، مهما كانت متابعة هذا النبي في اصل السلوك والمسلك لا في رتبته وكما في (الَّذِينَ آمَنُوا) فقد