ثم (مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) وتثنية «من» المبعّضة تثنّي التبعيض ، عناية إلى بعض من بعض ، استئصالا لإغنائهم عنهم شيئا من عذاب الله وان قليلا في ذلك اليوم العصيب : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) (٤٠ : ٤٨) فحين (كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) في مطلق التبعية كالعبودية المطلقة ، فهل يقابلها هنا ـ وفي كمال الحاجة والاضطرار ـ أن تغنوا عنا شيئا وإن ضئيلا قليلا من عذاب الله؟!
(قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) وعلّها هدى الأولى والأخرى ، إلا أن «لو» في الأولى إحالة للهدى بما زاغوا فأزاغ الله قلوبهم ، فلما لم يهتدوا لم يكن منهم إلا الإضلال لأتباعهم وامتناع الهدى باختيار لا ينافي الإختيار حيث اختاروا الضلال فلم يكن الله ليهديهم سبيلا إلا سبيل جهنم ، ثم «لو» في الأخرى إحالة لهدى الثواب ، او التنحي عن العقاب ، فمثلنا كمثلكم سواء (سَواءٌ عَلَيْنا) جميعا ضعيفا ومستكبرا (أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ).
ان الضال في طبعه ، هو من طبعه الإضلال ، كما المهتدي في طبعه من طبعه الإهداء ، فكونكم تبعا لنا ككوننا جميعا تبعا للشيطان لا يبرّر لنا حياة التبعية الضالة ، فكما كان مسيرنا واحدا في ضلال ، كذلك مصيرنا و (ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) حيث الآخرة هي مثال الدنيا في ضلال وهدى : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ) (٧ : ٤٣).
لقد قضي الأمر ، وانتهى الجدال ، وما كاد تنفع الحوار ، وبجنبنا الشيطان هاتف الغواية لنا جميعا يعترف بمثواه ومأواه ، محلقا في إذاعة