استكبروا ، (فَقالَ الضُّعَفاءُ) تقصيرا دون قصور ، حيث الضعف القاصر عاذر كما (الْمُسْتَضْعَفِينَ ... لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) وانما ضعف من ضعيف مقصر ، حيث سامح عن عقله ، وتغافل عن فطرته ، وتغرّب عن إنسانيته ، تنازلا عامدا عن أخص خصائص الإنسان وهو الحرية والاستقلال في التفكير وانتخاب المسير والمصير ، فقصارى ما يملكه المستكبرون هي تحديد الحياة المادية وتحبيسها ، اما الحياة الروحية والفطرية والعقلية فلا مدخل لاي مستكبر إليها إلّا من الضعفاء الذين يفتحون أبواب أرواحهم بمصارعها لاي غادر مغادر.
إن المستضعفين هم ثلة على طول الخط ، والمستكبرون قلة ، فلما ذا تخضع تلك الثلة لهذه القلة ، إلا لضعف الروح ، وسقوط الهمة ، وعدم استقلال الارادة ، والتنازل الداخلي عن اية كرامة انسانية موهوبة لكل إنسان.
ولقد بلغ بهؤلاء الأنذال الذل وحياة التبعية اللاشعورية لحدّ يستطير الى مسرح الآخرة حيث يسألونهم (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) عرضا لموقفهم المتخاذل أمامهم كأنه يحرضهم او يمكّنهم لمقابلة الحسنى بالحسنى وهنا «تبعا» مصدرا مفردا دون : أتباع جمع «تابع» وقضية الجمع في «انا كنا» هي «أتباع»؟ عله تأشيرا إلى مبلغ هذه التبعية اللعينة الأعمى كأنهم نفسها دون فاعل لها ، فهم كأنهم تجسيد لأصل التبعية ، إذ لم يبق من كيانهم إلّا هيه (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) ذلك العذاب الأليم الذي هو من خلفيات تلك التبعية الملعونة المرذولة ، وقد تلمح (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ) بمقال سابق للمستكبرين وكما كانوا يقولون للمؤمنين : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا (١) سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ، وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٩ : ١٣)